الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

تهافت العلمانية في الفكر والواقع 2

قد كتبنا في ما مضى عن تهافت العلمانية في الفكر وها نحن اليوم نتوج تلك الرؤية الفلسفيه بالواقع الملموس حيث من المؤكد ان بين الواقع والفكر الذي يحكم مجتمع ما جدليه(١) فهمها يوصل الى الصورة الحقيقيه لذاك المجتمع وكما اصرّ في كتاباتي دائما علي ان انتقادي لتلك الافكار لا ينبع من نظرتي لإنتمائي للفكر الناجي فكون الشخص يمتلك اصول الفكر الناجي لا يعني ذلك نجاته فما كل من توفرت لديه اسباب النجاة نجا ، ونظرتي للافكار التي تنبع من جذور تاريخيه وثقافيه وفلسفيه مختلفه هي نظرة برجماتيه تعتز بإنتمائها الى الاسلام وتحاول الاستفاده من طرق تفكير الغير وتجربته البشريه وفلسفته في مناحي الحياة ولا احاول ان اهاجم بعقليه مؤدلجه منغلقه على نفسها او متوهمه لتصورات عقيمه تزيدنا خبالا ، وكون العلمانيه لها السؤدد في هذا الوقت من الزمان وتمتلك قوة ذلك لا يعني عدم بدء تساقطها وتهافتها وامد التهافت سيطول اذا لم تنبع رؤية آخرى عالمية بلغة معاصره وبمفاهيم تدافع الرؤية العلمانيه لذلك فإن انتقادي واهتمامي بتهافت العلمانية هو اهتمام عابر فالاصل ان نؤسس لواقعنا الاسلامي المعاصر واستشرافنا لسقوط العلمانية ماهو الا دعوة للإبداع الانساني في ظل هوية وتحت سماء عقيدة إلـاهيه وعلى ارضيه انسانيه خالصة ولنبدأ بذكر تهافت العلمانيه في الواقع واقصد بذلك الواقع اماكن العلمانيه الاساسية فعلى الطريقة النحوية / عندما يسأل ما العلمانيه ؟
فإننا سنشير الى مجموعة الدول العلمانيه الغربيه على رأسها امريكا وهذه الاشارة هي صورة لاجابة ممتازه لدى النحويين ،


عن تهافت العلمانية في الواقع :

١- تزعز انظمة عالمية ذات اركان علمانية :
كل فكرة تنجح في ظل واقع هيأ لها النجاح ، لكن صيرورة الزمن وتغير الواقع يغير عوامل نجاح ذلك الفكر وعليه فإن استمرار نجاح فكرة ما هو السير مع صيرورتها واحيانا تسيير الدول مع الفكره وتحاول التناغم معها الا انها تنتهي بطرق مسدوده او غير معبده وهنا اما ان تسقط هذه الدول او تتعرقل في مسيرها وتتهاوى الى ان تسقط بالكامل وهكذا ينقلب السحر علي الساحر وقد فشل اصحاب العلمانيه في الصعود كما حصل في السابق ، صحيح ان ذلك الصعود كان علي حساب دول اخرى وقارات وأمم ، الا انه كان وقد نجح لكن الان تكرار تلك المحاوله ومع تبني الربا وفلسفات الاقتصاد العلمانيه كالخصخصه قد وصل الي مرحلة السلب بحيث انتهت قمة العلمانيه الاقتصاديه في امريكا واصبحت الرأسماليه في انحدار وامريكا رأس العلمانيه العالمي ولديها اكبر دين في العالم والاقتصاد الامريكي يملكه تقريبا ٦ عوائل امريكيه ذات نفوذ بمعنى اصبحت الرأسماليه الامريكيه احدى مصادر التقويض بعد ان بنتها وامريكا علي كل حال تحاول باقصى ادوات العلمانيه شراسه ان تعود الى مركزها عبر حروب وافتعال حروب لبيع الاسلحه واستغلال الدول الفقيره من خلال مواردها وكل ذلك لتعويض ذلك الصدع الهائل في الاقتصاد العلماني من جهه اخرى وعندما نعود بالذاكرة الى الوراء نرى سقوط الاتحاد السوفيتي الذي هو وجه علماني اخر ومالفرق بين الشيوعيه والرأسماليه هو حسن الاداره والقدره على التلاعب اللبرالي بالافراد وتبني العلماء التجريبين الافذاذ مع البون التاريخي لصالح اوروبا الغربيه في التقدم والتحالف مع امريكا ولا يمكن لاي شخص الادعاء بأن امريكا مازالت التنين الارضي القوي كما كانت
منذ سطوتها علي العالم عقب الانهيار السوفيتي ١٩٩٠ وفي الجانب الاخر نرى سقوط الدول العلمانيه المفترسه في العالم العربي ففي مصر وتونس وفي العراق وسوريا سقطت العلمانية المتحجره لصالح مطالب الشباب العربي المسلم اضف ان ذلك السقوط العلماني للانظمة العربيه كشف عن مصائب عربيه انتحتها المسوخ العلمانيه العربيه فالاقتصاد هش والبني التحتيه ضعيفه والطائفيه علي اشدها والكثير الكثير من المساوئ التي كانت افرازات العلمانيه في العالم العربي ونرى بجانب الدول العربيه تركيا التي تعلمنت عقودا بالسيف وهي عقود علمانيه صارمه قد تحجرت لكن اليوم تتحول تلك العلمانيه قليلا قليلا لصالح الاسلام !
وبالنظر الى الابحاث الاستشرافيه للعالم ٢٠٤٠/٢٠٥٠ من قبل منظمة CIA الامريكيه والاستخبارات الفرنسيه والبنوك العالميه نجد ان سقوط رأس العلمانيه امريكا وارد بقوه وستتبعها اوروبا واليابان لمشاكلات عديده في مقابل بروز دول اكثر تدينا واجزاء من العالم السلامي !




٢- انقلاب المفاهيم لدى الشعوب العلمانية :

عندما نقول انقلاب المفاهيم فنحن نعني المفاهيم الانسانيه الفطريه بلغة الدين وهي مفاهيم انسانيه ضروريه لدى البشريه منذ خلق الله آدم او منذ ان عرفنا الحضارة وأرخ له ..

فالحب صار اولى من بر الوالدين والمثليه صارت تحررا والزنار صار علاقة حميميه والاباء يعتقدون ان لا حق علي ابناءهم تجاههم والتعزب صار مكان الزواج والابناء مصدر قلق فالحيوانات الأليفه أصبحت مكان الأطفال في المجتمع  والاستهلاك شعار للعالم العلماني والتقدم لذات التقدم هدف في حياة الحضارة الغربيه والمودة والرحمه والتكامل بين الذكر والانثى اصبح صراع والدين اصبح لا فاعل وكل ذلك ينخر في عظام الغرب العلماني وليس يزيده قوة وان استمر ذلك التبدل للمفاهيم الانسانيه الفطريه فهذا دليل علي تسارع تعافت المنظومة العلمانيه .



٣- ثبات الوجود الالـاهي الذي اقره كثير من علماء القرن الواحد والعشرين :

العلم الحديث لم يعد كسابقه بل اصبح متواليه هندسيه متسارعه تجري وذلك الوقت الذي قُدر فيه ان العالم ليس بحاجه الي الله انتفى واصبح العلم الحديث يقرر لنا بتعقيده وتصميمه الذكي ان الله يتجلى فيه بعظمته والمتأمل في الكون الذي نحن ذرات فيه وكذلك النظريات والعلماء كثير منهم مؤمن صحيح ان الدين لم يدخل في العلم وفي حياة كثير من العلماء المؤمنين الا ان ذلك التجلي الالـاهي في العلم هو وتد عميق لا يمكن للعلمانيه ان تتحقق كامله في وجوده ولا يمكن للابداع البشري ان يتوقف دونه والمطلع علي واقع الغرب العلماني والواقع الديني يجد عودة لتدين بين الاجيال الشابه والكثير من المؤلفات الحديثه الغربيه تخبرنا بتراجع الحداثه وعودة التدين ولنا نحن العرب كتاب قيم اصدر قبل عدة اسابيع بعنوان: قوة القداسه لدكتور عبدالرزاق بلعقروز يتحدث فيه عن اسباب انحسار العلمانيه في العالم وتراجعها لصالح الخطاب الديني !'




٤- فقدان الثقه بالعلمانية الشامله لدى بعض الشعوب وعلى رأسها الشعوب المسلمه :

فقدان الخصوصيه-العقل الاداتي-القدره التدميريه-البرجماتيه- النزاعات الطائفيه ...
نرى كيف ان هذا العصر العلماني بدأ يفقد فيه الانسان خصوصيته واصبحت كل الاشياء قابله للبيع تقريبا ؛ المعلومات الصور والكثير الكثير من الاختراقات التي تقوم بها الدول علي مجتمعاتها وعلي العالم اجمع وفي ذات الطريق نجد كيف ان العقل الاداتي جعل قارات بسكانها موضع وسيلة له وانتج الكثير من الوسائل بدون غايه حقيقيه وعندما نكمل تلك المسيره للعقل الاداتي نصل الى القدرة التدميريه التي انتجها العقل الاداتي وهذه القدره علي مستويات عديده منها تكتلات صاروخيه او معدات حربيه مجزأه ، في القرن العشرين وحده قتل جراء ذلك العقل اكثر من ١٦٠ مليون انسان في الحروب فقط !
وهذا جزاء للقدرة التدميريه النابعه من العقل الاداتي الذي ليس لرحمة موضع فيه وهذا الطريق بوصلته الوحيده هي البرجماتيه ، وهي برجماتيه انانيه او متحيزه في كثير من الاحيان كالاخذ من الرأس مال الطبيعي للأرض لإنتاج صناعات معينه ، وهذا في المحصله مضر للانسان والبيئه ، او في المقابل البرجماتيه هي لصالح فئه دون اخرى واحيانا تجتمع هذه البرجماتيه لتنتج درجة من البرجماتيه كالحه في السواد لا يكمن للبشريه ان تستمر لو اتفقت عليها وفي الداخل الاسلامي نجد ان الانظمة العلمانيه لم تساعد علي التنميه والعيش بسلام فمشكلة الشيعه والسنه والاكراد والحوثيون والموارنه والدروز والاقباط ووو ..كل هذه الفرق تفاقمت المشكلات فيها بعد ان اهتزت النظام العلماني الحاكم وعلي المستوي التنموي والحضاري والفكري الفقر واضح وصريح خصوصا في عالمنا العربي ومن جهه اخرى تركيا العسكريه اصحاب حمى العلمانيه وجدوا ان لا بد من تنازل قبضة العلمانيه لاسباب كثيره ، ورئيس الجيش التركي نجدت اوزل ليس مجرد ركن بل هو قارئ ومثقف وواعي ثقافيا ومعرفيا لمسيرة تركيا لهذا لم يمانع في ظل الأسلمة التي يقوم بها حزب العادله والتنميه ..
ولنا في الطرق الصوفيه التي بدأت تعود مكانها السابق اكبر داعم لأسلمة المجتمع من خلال اجيال قادمه .




٥- عجز الدول العلمانيه عن بعض آفات العلمانيه المهدده لذات العلمانيه ولذات المجتمع المعلمن :

اولا من المعلوم ان اكبر المجتمعات التي يشار اليها بالشيخوخه هي مجتمعات علمانيه ( المانيا - اليابان - بريطانيا - ايطاليا ..) وانا لا ارى اي شعب اوروبي يمكن ان يقيم حضاره خلال ٣٠ سنه بدون عمليه التجنيس المستمره والتي تضخ افراد الى المجتمع فهناك شيخوخه تنخر في عظام المجتمعات العلمانيه وتجعل معدل الانجاب اقل من المعدل المطلوب للمحافظه علي المجتمع فضلا عن نموه وكل الدول العلمانيه تحاول حل تلك المشكلات لكن الشق الفردي المعلمن اكبر من ان يرقع حتى مع التجنيس ، كذلك نتحدث عن المستشفيات النفسيه وحالات الانتحار الكبيره في ظل عيش رغير وسعيد بالمعايير العلمانيه هذا ايضا يجرنا الى القول بنقص ذاتي لنظام العلماني تجاه احتياجات الانسان .




٦- تضخم البرجماتيه وإتباع الاهواء ومركزيه الأنا : أنتجت النظام الاستهلاكي العالمي !


هل من المعقول ان يمتلك الفرد في العالم سيارة لا تتعدى 200 ألف كم ؟ واذا وصلت اليها تكون سياره مهترئه لا اكثر !
لأن عليك حينها ان تشتري ماكينه جديده بينما نرى خلفنا في السبعينات لنجد ان السياره قد تصل لاكثر من 500 كم وهي بحالة جيده !!
وحتى علي مستوى الايطارات والاجهزه الكهربائيه الى ابسط الالعاب والادوات !
السؤال الصارخ كيف ان العلم تقدم وعمر الاجهزه والادوات والصناعه يقل ؟؟

هناك جابات عده اما ان العلم لم يتقدم بل يتأخر في خدمة الانسان او ان العالم قد شرب داء الاستهلاك ، فالشركات والدول تنتج لتصنع وتصنع لتربح !
تصنع لنفسها تصنع لمكانها وزمانها وليس للانسانيه كما هو شعارهم وكذا على مستوى الافراد الاستهلاكيه اصبحت عقيده لدى الكثير اصبحت هويه وهذا هو اكبر هراء وهزل واغبى تسطيح وسخافه قد انتجها الانسان في القرن العشرين كل ذلك بوعي وهنا مأسات كبيره تضرب في اعماق العلمانيه التي انتجتها ومأسات على الطبيعه والفكر والمجتمعات !



٧- عدم قدرة الارض على حمل اعباء العلمانيه :

التلوث البحري- التلوث الجوي - تلوث التربه - والصدمات التي يسببها العلم العلماني للأرض كالاستنساخ والقنابل النوويه ..

كل هذا لا بد ان لا تحتمله الارض لانه ارض واحده والانسانيه اجيال ومستقبل البشريه مفتوح على اتجاهات كثيره ولهذا واجب ان يكون العلم مقرون بالتعبد لله ومعاملة الطبيعه كجزء من خلق الله فواجب معاملته بحكمة ورحمه وليس بذكاء وشهوة سيطره .




٩- انتفاء اللذة :

في الغرب وصل الطعام الى ان يميت !
ووصل الجنس الى الساديه !
والاستهلاك الى الهلاك !
وصار المال الى الربوبيه !

كل هذه الدلائل مؤشرات الى اصتدام اللذه بجدرانها الاخيره وهذه محاولات مستميته لتجاوزه !

فمعدلات اللذه المجتمعيه قد انتهت ان لا لذه لانها انتهت بالموت احيانا او العنف او التعرض للمخاطر في اقل الاحوال ، وانتفاء اللذه دليل واضح على وجوب تجاوزها والنظر الحقيقي للذه على انها ليست السعاده !

وهذا سيحول المجتمع ليبحث عن السعاده الحقيقيه التي هي جزء يمنحه الله لخلقه وهي ينبوع تجده في التعبد لله بقلبك ولسانك وجوارحك .





١٠- خروج جماعات من ذات الغرب ترفض رؤيته للعالم وللحياة :

فمجموعة الهيبي مثلا هي مجموعه افراد الفرد فيها يرفض النجاح الاستهلاكي المكرس من قبل المجتمع ويروفض رؤية المجتمع للحياة وينتقد الاعلام والقواعد الغربيه المتلاعبه ، وايضا الكثير من المفكرين الذين خرجوا لينتقدوا ويحاولوا تصحيح وجهة الغرب بتعديل احدى الانظمة التي انتجتها العلمانيه من أولائك المفكرين  باتريك كونان وهوركايمر وماركوز وهابرماس .

١١- انهيار حقوق الانسان المدعاة لغير الجنس الابيض :

بحث ولم اجد حقوق انسان حقيقه صارمه خارج ايطار الجنس الابيض وهذه ركيزه تطعن ضد الفلسفه الغربيه ستبدي فاعليتها مع الزمن .


١٢- انتشار الجماعات الدينيه في اوربا وازمة الفلسفه :

انه مع تزايد النزوح الديني بشكل عام والاسلامي بشكل اخص في اوربا فإن احتمالية انخفاض حدة العلمانيه وتصاعد التدين سيتدرج مع الوقت وربما خلال جيل او جيلين يكون ذلك وبهذا ندخل في مرحلة عودة التدين الى مناطق قد فقد منها اضف الى ذلك الازمه التي تعاني منها الفلسفه في العالم وهذا لا بد سيجبر مواطن العلمانيه ذات النزوع الفلسفي على ان تستمع لصوت الدين مرة آخرى وبالتأكيد بصوت مختلف وقد لبس التدين سابقا الفلسفه فهل ستلبس الفلسفه الدين ؟

(١) الجدليه في فهمي ليست جدلية هيجل او ماركس الجدليه هي اطراف يؤثر كل منها في الاخر والأخر يرد بتأثير وهكذا يؤثِر ويأثر عليه كل طرف وهكذا يستمر التغيير في كليهما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق