الجمعة، 5 سبتمبر 2014

العقل العملي والنظري لدى طه عبدالرحمن

يؤلب البعض على مولانا طه عبدالرحمن لجعله العقل النظري معتمداً العقل العملي وليس العكس ،لأنه يفهم العقل بشقيه المصطنعه على الطريقة الغربية غير ان تركيبة أفكار طه ومفاهيمه متباينه عن نظيرتها الغربيه

ففي كتابه (سؤال العمل)
يبدأ طه بالسؤال /كيف هو العمل ؟
ويجيب بأن العمل في تحديد حقيقته النظريه لاتكفي الاحاطة بغرضه لأن العلم بهذا الحقيقه لا يراد لذاته وانما يراد لغاية اهم وهي بالذات ممارست هذه الحقيقة عينها ،،
 
ويُردف طه بأن العقل النظري الغربي له حالتان:
الاولى: حاله/ النظر المجرد >> الغاية/المعنى لذاته
يقابله
حاله/الشغل >> الغاية/المنفعه

اما لدى مولانا طه
فالحالة واحده وهي/عمل بسلامة المعنى >> الغاية/التقرب الى الله ..

ولاحظوا ان "السلامة هي الشق العملي من الصدق" ،لهذا يستبطن طه النظر في داخل العمل او لنقل يجعلها مرادفة له لأن الأصل
ان العقل هو عبارة عن إدراك القلب للعلاقة القائمة بين الأشياء - بمعنى ان العقل احدى ادوات القلب وليست كلها - وان القلب يدرك الاشياء ليس بالنظر فقط بل بجميع قوى الادراك مرة واحده كالعين والاذن والشعور والذاكرة والطموح والمشاعر وايضا يجعل طه عبدالرحمن في مقابل الجوارح الخارجية الجوانح الداخلية التي يجمعها القلب وهي تقوم بنظير ما تقوم به الجوارح، ويستند مولانا طه على القرآن حيث لم يأتي قول العقل مجرداً بل جاء كفعل ،وان غاية الدين الاسلامي ليس معرفة الكون لذاته بل معرفة المكون الاعلى سبحانه ومعرفة المكون الاعلى هي عبادة والعبادة لا تكون الا عملية !

ولهذا فإن :
العمل يقف على النظر في (الفلسفة الغربية) ،وقد يوقف العمل متى ارتفع مقتضى النظر فيه
بينما النظر واقف علي العمل في (الفلسفة الاسلامية) ،وقد يوقف النظر متى ارتفع مقتضى العمل به ،،

ويضرب مثال علي ذلك في مشروعة الفلسفي الإبداعي فقه الفلسفة بـ التعبد ليقول :

فأصحاب النظر على مقتضى الفلسفة الغربية يجعلون العبادة تدور علي معنى التقوى والتقوى ترد الى معنى العدل -وبذلك ينقل طريق التعبد(العملي) الى طريق التخلق(النظري)- ثم يرد معني العدل الى العدالة الاجتماعية -وبذلك ينقل طريق التخلق الى طريق السياسة وهما متباينان- فهو بذلك في دوامة من نظر الى نظر ، فليس الدخول في العبادة هو الذي جعله يأتي فعل التقوى ولا فعل التقوى هو الذي حمله على إقامة العدل ، وانما النظر في العبادة هو الذي افضى به الي النظر في التقوى وهذا بذلك ادى الى النظر في التقوى ،

واما في المجال الفلسفي الاسلامي فالتعبد يؤخذ بحسب مقتضاه العملي فتقدم إقامة العبادة على التفكر فيها والتفكر في العبادة مشروط بإدائها ، بحيث لا فكر الا مع العبادة فهنا تنقل المعاني الدينيه من مستوى النظر العقلي الى مستوى العمل المعاشي ومن مستوى العمل المعاشي الى مستوى العمل المعادي ،

وهنا الفلسفة الاسلامية أفضل من جهة أن حسه العامل بها الواقعي أشدُّ اذا لا حكم عنده بغير شاهد حي ولا عمل بغير تغتغل فيه ، وهنا الادراك أوسع اذ العمل الذي ينزل هذا المتعبد مراتبه يفتح له أبواب في المعرفة تظل موصدة على الواقف عند الفكر النظري وحده ونظره العقلي يكون أسلم ، اذ الفكر الذي لا يقيده الصلة بالواقع والعمل يجوز ان ينفلت منه الزمام في عالم من الاوهام




اما عن الدين فقد عرفهُ طه/ بأنه عبارة عن طريق في العمل يصل المرئي بالغيبي وصلا يمكن الانسان من اقتحام عقبات الحياة علي الوجه الافضل ..
ولهذا جعل طه عبدالرحمن العالم المسلم لا ينظر الي العلم علي انه مجرد بناء نظري فقط وإنما ينزله منزلة العمل وذلك لسببين :

احدهما/ ان التفكير في العلم هو من اعمال القلوب ، ولا يتوسل فيه بحركة خارجيه ملحوظة ، ولما كان التفكير قلبيا صريحا وجب ان يلتزم بالقواعد الاخلاقيه التي تضبط السلوك الباطن كتلك التي تضبط #أعمال القصد والصدق والاخلاص والخشية والخشوع

والسبب الثاني/ ان العلم عمل انساني يهدف الي انتاج المعرفة والوصول الي حقائق ، ولما كان العلم عملاً انتاجيا يتوسل بإجراءات معلومة ويتخذ اهداف مخصوصه وجب ان يلتزم بالقواعد الاخلاقية التي ترسم حدود السلوك الظاهر ؛ وشاهد ذلك ان العلم في الممارسة الاسلامية نوعين : الاول العلم النافع في مقابل العلم الضار
والثاني العلم المستعمل ؛والمراد به العلم الذي ثبت استعماله علي مقتضى هذه القواعد واما مقابله وهو العلم الذي لا يعمل به فهو منهي عنه ليس يطلب لذاته 

اخيرا نتبين أن طه عبدالرحمن يجعل العمل هو الأصل وذلك في المعاني الروحية والدينية والإنسانيه ،بينما يرى ان المعرفة العلمية المجردة والمحايده تدعو الى الوقوف علي الاسباب التي النظر فيها مقدم على العمل لأنها تخضع للظواهر الطبيعيه ولكن نظر ليس وراءه عمل ينكر العمل به .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق