الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

تهافت العلمانية في الفكر والواقع


بسم الله الواحد الأحد



في خضم سحل التحديات لخاصرة الاسلام وقلبه إبتداء من نار التتار التي ادخلت العرب والمسلمين في غياهب الألم ومروراً بالاستبداد علي ايدي العرب انفسهم لأنفسهم في ظل دولة قد جعلت العسكرية والجندية وحفظ النظام هو في اعلي سلم اولوياتها عانى المسلمون تبعات كثيرة فتت في عضدهم وآلمت طموحاتهم تجاه بزوغ شجرة الإسلام الحقيقية التي رعاها رسول الله  وتشببت في عهد صحابته الخلفاء الراشدين إذ إن الإسلام كما نقرر هو دين ورؤيهالا انه ابتداء من بني امية طوى الخلفاء ذلك المعنى ليصير الاسلام دين ودولة ودين خادم وليس مخدوم من الدولة مروراً ببني العباس فالقرامطة والطولونيون والصفويين وفي الغرب لدى الموحدين والمربطين والمرينيين قد تهالك صلب الاسلام وجوهره الحقيقي في ماعدا شذرات من تلك التواريخ خصوصاً علي مستوي السياسة , ومنذ عهد صلاح الدين لم تقم للعرب قائمه ولم تتوحد صفوفهم سوى لفتح بعضهم بعضا ، غير انني ما اردت بذكر ذلك الا لتبيان تنازل روح النهضة في الامة حتى وصلت الي احط عصورها ليغزوا بعضهم بعضا كما فعل بنو الاحمر في الاندلس ..
ولنرى ان المسلمين قد تجمدوا في فكر متصلب او جبرية معطله ولضمور العقل المسلم واعتماده علي الحفظ ولانكساره وتصدع بعض من اركان كروح التجديد والاستكشاف وروح الاختلاف الاجتهادي وانقلاب السياسة لتكون حملاً على المسلمين انفسهم خبا ضوء الاسلام كنظام وفكر شيئاً فشيئاً وساعد في ذلك خروج الافكار المناقضة لصميم التوحيد في العالم الغربي كالإلحاد واللا ادريه والتي اصطحبت في صعودها كماً هائلاً من العلوم المادية التي منبعها منطق مادي خالص كالفيزياء والكيمياء والصناعات تطبيقاً لها ، وكان في جوهر تلك الانطلاقة التي اتت من الغرب فكرة #العلمانية التي تخلصت اوروبا بها من سطوة القساوسة وحررتها واشتد عود هذه الفكرة حتى قوي ولم تزل علي ذلك الاستقواء لأنه رافقها علم نقدي تفجر في اوروبا وساند هذه الفكرة التربة الخصبة التي ابتعدت عنها العلمانية وما ان قوي هذا العود حتي تبين انه شجرة كبيرة لا جذور لها فالصيرورة طريقها والرأي النفعي ولذة هوى هو صوتها الا ان هذه الشجرة كان لها تربة طيبة وهي التي غذتها كالأخلاق ووضوح الطريق والهدف وطول الامل والجو الروحي التي ترعرعت فيه العلمانية الا انه وبعد ان تزحزحت العلمانية وبلغت شأوها في العظمة حينما ولدت افكار ونظم وقوانين كثيرة جليلة بدأت هذه العلمانية في التهافت علي مستويين منها علي الواقع الحاضر ومنها علي مستوى التنظير والفكر ولي الحق ان أزعم ببدء افولها واتجاه شمس العلمانية المحرقة للمغيب ونورد علي ذلك عدة شواهد وادلة نوضح فيها تهافت العلمانية وبدأ سقوطها علي مستوى الفكر والواقع اما على مستوى الفكر فنبدأ بما يلي :
اولاً /نشوء فلسفات وأيدولوجيات عدمية وعبثية وإمبريالية كالنازية والتفكيكية ؛
فبعد ان تشربت اوروبا العلمانية وثملت فرحاً بانطلاقها الحر وابتعدت عن اركانها الثابتة ونصبت الانسان مكان الاله وتغطت برداء العلمانية الذي يخيل الي الانسان دفئه الا انه ذا خرق كثيرة وقد سبب ازمة كبرى كونه مقلوع الثوابت يصير ولا يتوقف معتمداً على العقل في ذاته الا ان العقل العلماني المادي لم يتساءل 
هل هذا العقل قد إعتمد علي نشوئه بنفسه ؟
ولم يتساءل هذا العقل عن حظوظ النفس وارادة الهوى الانساني ؟
وان الهوى هاوية لا قهر لها ففي كل لحظة في الهوى ستصير الى مالا نهاية عند ذلك الحال من التعقل زادة الانا في النفس وانفتحت الاهواء لدى النازية وعندما عاد هؤلاء القوم الى انجيلهم العلماني لم يجدوا ثابتاً يمكن ان يردعهم فالنسبية هي الحقيقة الثابتة الواحدة والقوة في سفرهم الثاني لنيتشه هي الحق فكانت الطامة الكبرى بأن تبدى الوجه السيء البشع للعلمانية وما اسهل تبديه فلقد اعتمد علي جميع مقومات العلمانية في العصر الحديث كالتقدم والعقل والفردية والمصلحة وهوى النفس والعلم والقوة وهكذا مات اكثر من ٥٠ مليون انسان في حرب لم تأخذ في حسابها العقلي ولا في ضميرها الجمعي سوى النصر فلم يؤخذ في حسابها ( الخيانة ولا الغل ولا الغدر ولا التمثيل ولا قتل الاطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا الشجر ولا الحيوان ولا اهل الصوامع في صومعتهم )
كل ذلك كان عندما تخلى الانسان عن مكانه الصحيح ورؤيته التي فطر عليها وهي عبادة الواحد الاحد وانه غاية في ذاته وكل ما دونه وسيلة اليه ...
وهكذا كان نشوء الأيدولوجيات الحمراء والحروب الثقافية التي امتلأت كذباً وزوراً بين الروس والامريكان حينما حاول كل منهما ان يفرض فكرته علي جبال من الكذب والقهر علي دول المحور وعلي رأسهم المانيا ولم يسلم من ذلك العالم الاسلامي ذلك وكل هذا في سبيل قهر كل منهما للأخر مع كون كلاهما علماني الا ان خلفيته الاقتصادية مختلفة وتساؤلنا في ذلك
ما كل هذ الحرب مع ان قاعدتمها الارضية واحده وهي المادية"العلمانية" فماذا ان كانت هذه الثقافة مختلفة عنها كلياً في الاهداف والرؤى والطريق ؟؟
هل ستُترك لتترسخ جذورها ام ستحارب علي قدم وساق ؟
من بعد ذلك العرض لايدلوجيا النازية علي سبيل المثال وغيرها كثير كالصهيونية والفاشية والانبرياليه الأمريكية ..
ونعرض للفلسفة فإنبجاس فلسفة التفكيك في الغرب انما هو نابع من رقة الارض الغربية من حيث تفتت الايمان بالإله ونقص الامل واحساس اصحابها بالاغتراب وهم في رحم اوطانهم وما هذه الفلسفة الا بادرة من بوادر التصدع العلماني الغربي فكيف يمكن للجنون ان يصبح فلسفه ؟
فالتفكيكية الدريدية هي ان تقول جنوناً وتخبر الاخرين بذلك الجنون محاولاً ان يمارسوا الجنون نفسه ، فقد حاول دريدا ان يقوض كل ثابت بدافع الاختلاف والتجدد ويبدوا انه لم يرد ان يكتشف انه ثبت نفسه بحيث فكك كل شيء ولم يفكك فلسفته ، وهذه الفلسفة قائمة على اللانهاية في السبر وهدفها اخراج تناقض اي نص يقع بين ايديها ، اوليس في ذلك احساس بالضياع في الحياة ؟ اوليس في ذلك خوف؟
فهذه الفلسفة تحاول تجريدنا من كل ايمان وحتي علي مستوى المعاني ليس الدال يدل علي مدول فحتى انت ربما لست انت ، واحمد ربما يكون حميدي !
والبقرة لم تعرف الا لأنها ليست بطرة او نقرة !!
فهي كذلك فقط لان ترتيب الحروف ومواقعها كذلك وعندما نعود الي القاموس سنجد ان البقرة حيوان اليف ذا اربع ارجل وهذا يحيلنا الي اليف وحيوان واربع ارجل !
وندخل في عملية تفسيرية لا نهائية لا تؤدي الى معنى ونرى ان دريدا وتفسيراته هو احد تبديات "تأليه الانسان" وانه يحق له التلاعب بالحقيقة كونه الإلاه ؟!
وهكذا ننتهي بهذه الفلسفة لنقول بأنها تعبير صارخ عن ضياع الانسان وعن كون العلمانية لم تعد تستطيع ان تنقذه وانه لابد من ايمان بالإله ايمان ذو ثوابت ورسوخ في الاخلاق لكي يتسنى لمن هم علي هذه البسيطة ان يعيشوا بسلام وان يستعيدوا بوصلتهم التي اضاعوها !
 وعندما نرى شوبنهاور في مقولته التراجيديه على البشر أن ينقرضوا لكي يريحوا الأجيال القادمة من عناء الأخطاء البشرية ،فهذه الفكرة التي قررها شوبنهاور بل كتابه وفلسفته التشاؤمية صار لها صدى واسع بعد الحربين الأوروبيتين ،وهنا ظهر سارتر ليكمل طريق شوبنهاور ويعلن أن على الإنسان ان يلغي المشاريع الحضارية الجماعية وان يستمتع بوجوده كفرد بعيداً عن الفعل الحضاري الجماعي !




ثانياً /انحسار المد الالحادي علي مستوى الفكر :
علي مستوى الافكار مقارنة بالقرن الثامن عشر والتاسع عشر الذي ظهر فيه الكثير من الفلاسفة الملاحدة العظماء كماركس وشوبنهاور ومن قبله عصر التنوير الذي حمل بذور الالحاد ومهد لهذين القرنين فطغى المد الالحادي وسادت اللاعقلانية الرومنسية في القرن الثامن عشر حتى غزا المسلمين في ديارهم فلقد عاد كثير من شباب البعثات العثمانية والمصريه بأفكار الحادية ولا ادرية في القرن التاسع عشر وكل ذلك دليل علي تنامي الالحاد وقد صرح بذاك فلاسفة مؤمنون ولقد عزز ذلك الالحاد بكل تأكيد سطوة العلمانية لتكون هي النظام الاول والاخر والظاهر والباطن ولكن مع القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين وتقدم العلم اكثر عدل الفكر الغربي عن جنونه بعد ان اكد العلم علي وجود الاله وتوصل العلوم له واقترابها منه ومع تلك المعارف العلمية بدأ انحسار الالحاد الى وقتنا الحاضر فبعد ان كان علي رأس علماء الالحاد علماء وفلاسفة بارزين كماركس وسارتر وانتوني فلو انحسر الالحاد وضعفت قواعده واصبح المنافح عنه اشخاص كريتشرد دوكنز وغيرهم وهذا ان كان يدل انما يدل علي تراجع الفكر الالحادي الذي هو جوهر في العلمانية حقيقي وفي هذا القرن وفي قلب اوروبا العلمانية لم يعد الالحاد الا في تناقص وهذا مما يساعد علي تقوض العلمانية وانهيار بنيانها ..
ولقد جمع لقاء بالأمس القريب مع استاذي الدكتور مسفر القحطاني بأساتذة ألمان ودار نقاش حول صدام القيم والتحول الحضاري ولقد اكد كبار السن من الباحثين علي مجتمعهم الالحادي العلماني وما لبث الا ان عبر الشباب الالمان بحماسة عن عودة التدين والرغبة العارمة بأن يؤمن المجتمع بأي طقس وما هذه العودة لروح التدين الا نبوءة باهتزاز صرح العلمانية وعودة الانسان الي فطرته والتي لن تكتمل الا اذا عاد الدين الى المجتمع كفاعل وليس كضمير خاص مجرد .
 
 
ثالثا/ انتهاء عصر التجديد والشروع في عصر الشروحات*:
فبدأ ببيكون في القرن السادس عشر القائل: من يبدأ بشكوك يصل الي قناعات , والذي بدأ في عهده الصعود الغربي ورسمت فيه الموناليزا  وخرجت فيه اصلاحات لوثر الدينية وكتبت فيه اشعار ومسرحيات شكسبير ومرورا بالقرن السابع عشر قرن العالم الألة الذي بدأت  فيه القوى الاوروبية العلمية والفلسفية تتصاعد ونيوتن قد وضع قوانينه ولويس الرابع عشر حيث ازدهرت فرنسا في عهده بالفنون والآداب وفي بريطانيا وضع جون لوك فلسفته التجريبية والقوانين الحقوقية وهناك في ايطاليا حيث اكتشافات جاليليو عالم الفلك الذي اعنته الكنيسة واتهمته بالهرطقة وانتقالا الي القرن الثامن عشر حيث عصر التنوير الاوروبي بقيام الثورة الفرنسية وحيث نقد فولتير الساخر المفكر الذي ما توانا في الانتقاد وحيث جان جاك روسو منظرا للحقوق والمساوات وحيث روح القوانين لمونتسكيو وحيث خرج فيلسوف الحدود كانط  ونزولا الي القرن التاسع عشر حيث المذهب الوضعي لاوجست كونت وقواعد المناهج العلمية الجديده كقواعد المذهب السوسيولوجي  لدى دوركايم حيث ولد الكثير من الفلاسفة الذين سيملؤون القرن الذي يليه كهيجل وماركس وفيورباخ ومؤسس علم الظواهر هورسل ومرورا بالقرن العشرين حيث حيث في الثلاثين نشاط النيشتويه  والبرغستونيه في الاربعينات والوجوديه في الخمسينات والهيجليه والماركيسيه في الستينات والبنيويه في الثمانينات
كل هذا كان امتداد لشعلة الاوروبية صاحبة حمى العلمانية الا انه في القرن الواحد والعشرين تنازلت تلك الافكار بشكل حاد وبدأت النظريات المتجددة تقل وتتنازل المعرفة لتكون شروحا او امتدادا للفلسفات السابقة او نقدا لها , وهذا ليس حصرا على الافول الغربي العلماني بل مرض عانى منه المسلمون قبلا فعصر الشروحات والركود العلمي لابد خطير فهو دليل سافر على استهلاك العقل العلماني في تبديه من جهة الغرب وانه بناء غلى ذلك الخفوت للعلمانية بأفكارها فإنه لابد من انطفاء كامل او شبه كامل لتلك الشمعة وذلك مرتبط بأن تتولد نهضة فكرية قادرة على ملئ الفراغ الذي سيحدثه غياب العلمانية الشاملة في هذا العالم ولا نراه سوى في الشرع الحنيف ودين الفطرة ذو الثوابت الراسخة والاغصان المفعمة بالحياة لهذا فإن تنازل التجديد في الفكر الغربي دليل على بدء ذبول الحياة فيها ومن ثم موتها
 
رابعا /انقلاب المفاهيم على مستوى الفكر :
فإنقلاب المفاهيم علي مستوى الفكر هو علامة على افول الفكر الغربي وليس علامة على نضجه وهذا ليس ابدا ولكن دائما ففي الحالة الإسلامية وفي عصر الركود عانى الاسلام تبعات ذلك فحين يذكر التوحيد مثلا والدليل عليه يذهب الشارح فورا الي اثبات وجود الله عقليا وانه لم يعط العالم ظهره وذلك تأثرا بالفلسفة اليونانية وانحرافا عن معنى التوحيد الحقيقي ومع ذكره لبرهان وجود الله عقلا لا يتطرق الشارح الي التوحيد كقيمة مطلقة لفردانية الاله المنزه من الشركاء ولم يبنوا عليها الطريق كما فعل الذين عاشوا في الصدر الاول للإسلام ونأخذ مثالا اخر لتتضح الرؤية لننظر فبعد ان كان القدر هو مشيئة الله وارادة الانسان تطرف كثير من المسلمين ليقيدوا قدر الله ويطلقوا ارادة الانسان والعكس صحيح , غير ان ما علمه لنا الاسلام والرسول كان واضحا بأن جعل للقدرة الإلهية والارادة الانسانية موطن في كل انسان وان انحراف المعنى وانقلاب المفاهيم كان سببا ونتيجة لأفولهم الفكري , وكذا اهل العلمانية وخاصته بدأوا يعانون من ذلك وقد تبدى لي ذلك في  صور عديدة منها الانسان فلقد كان يعرف الانسان وانه مكرم على هذه الارض وسيدها ولكن هيهات  فلقد حطم الانسان المكرم على يد العلمانية ليتحول كخط كتب على رمال الشاطئ وتمتد البحار لتمسحه او يكون ميتا كما في فلسفة فوكو او هو جندر في تركيبه او حيوان في اصله كما يقرر داروين !
وايضا عندما يذكر الاله تتبادر الى الذهن الطبيعة بجميع تبدياتها أي الحلوليه او يقفز الالحاد ليجعل الصدفة واللاحقيقة هي الاله وتبدل مفهوم الانطلاق الاول في عصر التنوير حيث كان التقدم نحو الاحسن للإنسان , والعقلانية قد انقلبت الي اللاعقلانية في كثير من اشكالها , والتقدم لصالح الانسان قد تفكك ومازال لصالح الانانية وكذا هي اللذة والمنفعة المتمركزة نحو الافراد بذواتهم او لأمة دون غيرها وعلى حساب جثث غيرهم لهذا فإن انقلاب المفاهيم لدى منظري العلمانية الي الضد او الغير-من حيث تبدل المعاني الى اسوأ- دليل على تهالك البناء العلماني وليست مسألة سقوطها سوى مسألة وقت وفلسفة بمثل حجمها او اقوى منها لتحل على انقاضه لهذا لا اتوقع ان تقع العلمانية بدون ان يجد العالم بديلا عنها في الواقع النظري والعملي
 
خامسا /سقوط بعض اركان العلمانية الاولى وانتفاء بعضها :
فالعلمانية ليست فكرة مجردة وعلى ارض الواقع تتداخل العلمانية حتى مع دواء المريض الى اكبر الاعمال واكثرها خطورة كالسلاح النووي صاحب ديانة القوة الركن الذي تطاول على جل اركان العلمانية لينتج مسوخا كهذا السلاح الذي تحمل دولة واحدة ما يكفي لتدمير الارض مرات عديده !
وإن هذا التفريط في تمجيد القوة انقلب على اهله وسيظل ينقلب ويذوقوا ويلاته كما في الحرب الغربية الثانية ولقد سقطت اركان اخرى كانت دعامة قوية للعلمانية ولو لم يصرح اهلها بذلك كالأخلاق فما عادة الاخلاق هي الاخلاق وما عادت اخلاق المسيحية متجذرة في قلوب اصحابها وما عاد نداء الواجب الاخلاقي الكانطي يسد ثغرة الاخلاق ومازالت الفلسفة الغربية مراعة لشدة دمار النفعية الفلسفية للأخلاق وما مبدأ اللذة عنها ببعيد فهي صلوات من يلحد بالله ورسله ومازال الفلاسفة الغربيون العلمانيون في هذا العصر يتسائلون بكل طاقاتهم :كيف يمكن تأسيس اخلاق ذات طابع الزامي غير ديني ؟
وهذا مالم يحصل فمركزية العقل النظري مصلحته والاخلاق اذا دخلت فيها المصلحة صارت نفاقا ...
لهذا فإن الاخلاق تصدعت وإنهار جزء كبير منها وما لحق بملايين البشر في العراق ولا في فيتنام ولا في افريقيا والهند الا تجلي لتلك الاخلاق المنحطة وما المثليين وما الشذوذ الجنسي عن  ذلك ببعيد ونذكر في ذلك قول امير الشعراء احمد شوقي :
وانما الامم الاخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
ولنوغل النظر لنجد ان السياسة العلمانية ممثلتا في الغرب قد او جدت قاعدة تنافي الاخلاق وهي ان الغاية تبرر الوسيلة  , وقد تبدى ذلك في كثير من بقع هذا العالم فالسياسة والسياسيون واصحاب المصانع الحربية يطبقونها على قدم وساق في سبيل مركزية مركزهم المزعومه ..
 
سادسا  /توقف انبهار البشر بالألة والتكنولوجيا ومقاربة السقف والطموحات :
القرن السابع الهجري قرن نيوتن بامتياز فلقد تفاءل الغرب بالعلم وقدسه وقد وهموا بآمل كثيرة وتوقعات لا نهاية لها حيث نرى ذلك في روايات عصر التنوير وما بعدها حيث ظهرت الروايات التي العلمية التي تتفاءل بالعلم والتقدم حيث عبرت عن طموح البشرية في ان يكتشفوا اصل الحياة وان يصلوا الى مجتمع اليوتيوبا السعيد وتماشيا مع القاعدة (ازدد علما لتقلص مساحة الجهل) ولكن هذه القاعدة كذبت نفسها بحيث ان كل زيادة في العلم ترافق معها شعور متزايد بالجهل!
ولم يكتشف سر الحياة أي من معامل العلم ومختبراته ولم يصل عمر الانسان ليكون ابديا سرمديا ولم يعرف بعد اين هو ماء الشباب ولا مدينة الذهب المفقودة ولم يجب الانسان عن جل الاسئلة الدينيه ولقد انقلبت الالة والعلم الي الضد والى خطر على الانسان في اوجه عديده بسبب انزاع البعد الالهي وانفصاله عن العلم فخرج لنا الاستنساخ ببشاعته والنووي بدماره والصواريخ بعنفها والتلوث البيئي وغيرها الكثير , لهذا وبعد ان علم الانسان ان مآل العلمانية جد خطير على الانسانية وعلى هذه الارض انقشعت اوهامه وانخفض سطح طموحاته الى درجة ان اقام جمعيات لمحاربة بعض اشكال التكنلوجيا كالتنصت وحماية البيئة وحماية الانسان من اشرار كثيرة على رأسا الاستهلاك , واننا نقف بإزاء العلمانية التي تنقض الفطرة وتفصل العلم عن الرحمة الإلهية والغاية الأرضية لنعيد انتاج فلسفة الفطرة فلسفة التوحيد الخالص لله الذي يجعل الرحمة لا القوة والعبودية لله لا التمرد عليه هي ديدنه وديانته
 
سابعا /افول الآمال الغربية التي ركبت موجة العلمانية وتطلع الشعوب المسلمة:
ان المتأمل في احوال الشعوب والمطلع على شذرات من اخبارها ليجد ان اصحاب الديانة العلمانية قد ذبل شعورها بمتع الحياة وتنتاب اناس منهم غير قليل سوداوية الحياة رغم انهم بكل المعايير العلمانية قد بلغوا شأو المتعة والرفاهية
وقد نتج عنها ان صرح رئيس الاطباء النفسيين بأكبر في اكثر الدول العلمانية رفاهيه وقال :هذا عصر الاكتئاب !
وحتى عندما نعود الى افكارهم تجد سوداوية كافكا وعبثية كامو وفي فلسفة ازدراء للحقيقة لدى نيتشه بينما نجد على شاطئ الايمان تطلع الشعوب المسلمة المنوطة بإظهار الحقيقة واحقاق الحق والعودة بالإنسانية الى فطرتها الاولى التي بتركها تاهت الانسانية في غياهب عبثية او عدمية ولنرى ايضا خوف العلمانيين وهلعهم من انتشار الدين في اوروبا وخصوصا ذلك الدين الذي يستطيع بكل جسارة ان يقتحم اسوار العلمانية ولكن ذلك يكون على ايدي المجتهجين والشجعان فقط ..
 
ثامنا /الوعي لدى الشعوب المسلمة وتصاعد الفكر الاسلامي ونقد الغرب للعلمانية :
فمنذ ان وطأة الخيل الازهر او منذ ان دخلت الاصلاحات العثمانية في الدستور بدأ المسلمون في استيعاب العلمانية وتفحصها فبادئ ذي بدئ كان جليا للعلماء المسلمين حرمة هذا النظام وتعارضه مع روح الاسلام وشريعته فبدؤ بتحريمه وتجريمه ولم يستطيعوا اكثر من ذلك من بعد ذلك اتت افواج من المسلمين منبهرين بالتقدم الغربي ليعلنوا ان العلمانية كانت هي السبب الاول في تقدم الغرب وتخلفنا ولم يواجههم العلماء بأكثر من تحريمه والتدليل على ذلك بالكتاب والسنة لقلة وعي المسلمين آن ذاك ومن ثم جاءت موجة اخرى من المثقفين متأثرين بالعلمانية وحاولوا ان يوفقوا بينها وبين الاسلام فانتجوا مسوخا مشوهة لاهي بالشرقية المبدعة ولا هي بالغربية المتقدمة وقد قام بذلك بعض العلماء المسلمين تأثرا بوطأة الحضارة الغربية واراهم فسهلوا بذلك تغول العلمانية الى داخل المسلمين غفر الله لهم , ومن بعد تلك الموجه اتت موجة اخرى حيث اخذت بعض اليات المعرفة وبعض اجزاء النظام العلماني كالحرية او الديموقراطية او البنيويه او الهيجلية وهذا تحسن جد كثير من ناحية الاطلاع على فلسفات ونظم جديدة تفتح افاق العقل وتوسع مداركهم ومع تراكم الوعي الاسلامي ظهر نقاد واعون لم يسلموا بانتهاء الابداع الانساني ولم يرضوا ان تكون اخر الابداعات هي ما صنعه غيرهم ولم يشاؤوا ان يدخلوا جحر الضب الذي تصارع على دخوله الكثير فانتقدوا العلمانية وصرخوا في سبيل اعمال العقل والتجديد في مفاهيمه لإنتاج فلسفة اصيلة تمثل امتدادا لماضينا العريق واصالتنا الثقافية ومن هنا كان وعي الشعوب المسلمة حيث وصلت الى مرحلة الانتقاد وتليها مرحلة الايمان بالإبداع الانساني فالعمل لذلك الابداع لنكون حضارة راسخة الجذور بديعة مؤمنه , وهذا إن كان فهو إمارة على وعي الشعوب المسلمة لتفادي العلمانية وخلق حضارة قادرة على مقارعة كل حضارة مادية  ...
والفكر الاسلامي او ما تسميها وثيقة كامبل : المنطقة الخضراء هي وحدها الخطر العظيم الذي على الفكر العلماني كما تقرر تلك الوثيقة , ونحن الان في طور جيد وهو طور الثورة المضادة والفكر الاسلامي في حراك رغم انه ليس بالمستوى المطموح اليه لكن الزمان كفيل بتراكم تلك المعرفة وذلكم التجديد ليظهر دين الفطرة الذي سيعيد لكل شيء نصابه ويبني على منجزات العلمانية ويأخذ مكانها ولقد استفاد جميع المسلمين والباحثين في الفكر من الفكر العلماني ومن انتاجيته العظيمة ولكن هذا لا ينفي احقية الفكر الاسلامي في اعتلاء كرسي النهضة الثقافية على مستوى العالم الاسلامي ويغير بعض المعايير العلمانية العالمية وفي ذكر نقد العلمانية من داخلها نرى العديد من النقاد وعلى رأسها نقد مدرسة فرانكفورت التي كشفت عن العقل الاداتي العلماني وكيف انه لم يعد يكفي باختزاليته قيادة العالم ولا اصلاح نفسه لذا كان لا بد من تجديده وليس من سبيل سوى ان تنقشع قبضة العلمانية عن هذا العالم .
 
 
وانا في ختام ذلك التهافت الفكري لم اقصد نقد العلمانية لذاتها بل لنفتح وعي الشباب ونحفز همته الى التجديد بدل التقليد والاعتزاز بالابتكار لا الانكار فحسب واننا على منوال استاذنا المجدد الفيلسوف طه عبدالرحمن نقول ان الامة المسلمة قد بلى عقلها ولحق الهوان بطلاب العلم فيها ولم يجب بعد عن سؤال لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا ؟
ولقد تضاربت الاجوبة وتصارعت ولكأننا لسنا ابناء امة واحده فلقد جذبنا بعض ابنائنا الى الانسلاخ من ثقافتنا والتغرب كي نلحق بركب التقدم الغربي وهذا مما لا شك فيه دعوة جد رهيبه تنادي بالتقليد والتغرب عن ذواتنا وتقتل الابداع فينا ونحن نسعى بذلك الى فتح افاق الشباب المسلم وتجديد عقله باستعادة قوتين عقليتين فقدناهما منذ زمن بعيد وهما :القوة المفهومية التي تجعله يستقل بمفاهيمه وتصوراته والثانية القوة الاستدلالية التي تجعله يستقل بادلته ونصوصه واضيف قوة ثالثه هي قوة نقده وانني بإذن الله سأتبع هذا المقال مقال اخر ابين فيه تهافت العلمانية على ارض الواقع وذلك منعا للإطالة واكتفي بأوجه النقد النظرية هذه التي طرحت فيها رأيي بعد ان استدعى الواقع ذلك .
تويتر: e_3badi@



************
المراجع:
1-عبدالوهاب المسيري
2-احمد عبدالحليم عطية
3-حسين حنفي
4- طه عبدالرحمن
5-علي عزت بيجوفيتش



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق