الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

تهافت العلمانية في الفكر والواقع 2

قد كتبنا في ما مضى عن تهافت العلمانية في الفكر وها نحن اليوم نتوج تلك الرؤية الفلسفيه بالواقع الملموس حيث من المؤكد ان بين الواقع والفكر الذي يحكم مجتمع ما جدليه(١) فهمها يوصل الى الصورة الحقيقيه لذاك المجتمع وكما اصرّ في كتاباتي دائما علي ان انتقادي لتلك الافكار لا ينبع من نظرتي لإنتمائي للفكر الناجي فكون الشخص يمتلك اصول الفكر الناجي لا يعني ذلك نجاته فما كل من توفرت لديه اسباب النجاة نجا ، ونظرتي للافكار التي تنبع من جذور تاريخيه وثقافيه وفلسفيه مختلفه هي نظرة برجماتيه تعتز بإنتمائها الى الاسلام وتحاول الاستفاده من طرق تفكير الغير وتجربته البشريه وفلسفته في مناحي الحياة ولا احاول ان اهاجم بعقليه مؤدلجه منغلقه على نفسها او متوهمه لتصورات عقيمه تزيدنا خبالا ، وكون العلمانيه لها السؤدد في هذا الوقت من الزمان وتمتلك قوة ذلك لا يعني عدم بدء تساقطها وتهافتها وامد التهافت سيطول اذا لم تنبع رؤية آخرى عالمية بلغة معاصره وبمفاهيم تدافع الرؤية العلمانيه لذلك فإن انتقادي واهتمامي بتهافت العلمانية هو اهتمام عابر فالاصل ان نؤسس لواقعنا الاسلامي المعاصر واستشرافنا لسقوط العلمانية ماهو الا دعوة للإبداع الانساني في ظل هوية وتحت سماء عقيدة إلـاهيه وعلى ارضيه انسانيه خالصة ولنبدأ بذكر تهافت العلمانيه في الواقع واقصد بذلك الواقع اماكن العلمانيه الاساسية فعلى الطريقة النحوية / عندما يسأل ما العلمانيه ؟
فإننا سنشير الى مجموعة الدول العلمانيه الغربيه على رأسها امريكا وهذه الاشارة هي صورة لاجابة ممتازه لدى النحويين ،


عن تهافت العلمانية في الواقع :

١- تزعز انظمة عالمية ذات اركان علمانية :
كل فكرة تنجح في ظل واقع هيأ لها النجاح ، لكن صيرورة الزمن وتغير الواقع يغير عوامل نجاح ذلك الفكر وعليه فإن استمرار نجاح فكرة ما هو السير مع صيرورتها واحيانا تسيير الدول مع الفكره وتحاول التناغم معها الا انها تنتهي بطرق مسدوده او غير معبده وهنا اما ان تسقط هذه الدول او تتعرقل في مسيرها وتتهاوى الى ان تسقط بالكامل وهكذا ينقلب السحر علي الساحر وقد فشل اصحاب العلمانيه في الصعود كما حصل في السابق ، صحيح ان ذلك الصعود كان علي حساب دول اخرى وقارات وأمم ، الا انه كان وقد نجح لكن الان تكرار تلك المحاوله ومع تبني الربا وفلسفات الاقتصاد العلمانيه كالخصخصه قد وصل الي مرحلة السلب بحيث انتهت قمة العلمانيه الاقتصاديه في امريكا واصبحت الرأسماليه في انحدار وامريكا رأس العلمانيه العالمي ولديها اكبر دين في العالم والاقتصاد الامريكي يملكه تقريبا ٦ عوائل امريكيه ذات نفوذ بمعنى اصبحت الرأسماليه الامريكيه احدى مصادر التقويض بعد ان بنتها وامريكا علي كل حال تحاول باقصى ادوات العلمانيه شراسه ان تعود الى مركزها عبر حروب وافتعال حروب لبيع الاسلحه واستغلال الدول الفقيره من خلال مواردها وكل ذلك لتعويض ذلك الصدع الهائل في الاقتصاد العلماني من جهه اخرى وعندما نعود بالذاكرة الى الوراء نرى سقوط الاتحاد السوفيتي الذي هو وجه علماني اخر ومالفرق بين الشيوعيه والرأسماليه هو حسن الاداره والقدره على التلاعب اللبرالي بالافراد وتبني العلماء التجريبين الافذاذ مع البون التاريخي لصالح اوروبا الغربيه في التقدم والتحالف مع امريكا ولا يمكن لاي شخص الادعاء بأن امريكا مازالت التنين الارضي القوي كما كانت
منذ سطوتها علي العالم عقب الانهيار السوفيتي ١٩٩٠ وفي الجانب الاخر نرى سقوط الدول العلمانيه المفترسه في العالم العربي ففي مصر وتونس وفي العراق وسوريا سقطت العلمانية المتحجره لصالح مطالب الشباب العربي المسلم اضف ان ذلك السقوط العلماني للانظمة العربيه كشف عن مصائب عربيه انتحتها المسوخ العلمانيه العربيه فالاقتصاد هش والبني التحتيه ضعيفه والطائفيه علي اشدها والكثير الكثير من المساوئ التي كانت افرازات العلمانيه في العالم العربي ونرى بجانب الدول العربيه تركيا التي تعلمنت عقودا بالسيف وهي عقود علمانيه صارمه قد تحجرت لكن اليوم تتحول تلك العلمانيه قليلا قليلا لصالح الاسلام !
وبالنظر الى الابحاث الاستشرافيه للعالم ٢٠٤٠/٢٠٥٠ من قبل منظمة CIA الامريكيه والاستخبارات الفرنسيه والبنوك العالميه نجد ان سقوط رأس العلمانيه امريكا وارد بقوه وستتبعها اوروبا واليابان لمشاكلات عديده في مقابل بروز دول اكثر تدينا واجزاء من العالم السلامي !




٢- انقلاب المفاهيم لدى الشعوب العلمانية :

عندما نقول انقلاب المفاهيم فنحن نعني المفاهيم الانسانيه الفطريه بلغة الدين وهي مفاهيم انسانيه ضروريه لدى البشريه منذ خلق الله آدم او منذ ان عرفنا الحضارة وأرخ له ..

فالحب صار اولى من بر الوالدين والمثليه صارت تحررا والزنار صار علاقة حميميه والاباء يعتقدون ان لا حق علي ابناءهم تجاههم والتعزب صار مكان الزواج والابناء مصدر قلق فالحيوانات الأليفه أصبحت مكان الأطفال في المجتمع  والاستهلاك شعار للعالم العلماني والتقدم لذات التقدم هدف في حياة الحضارة الغربيه والمودة والرحمه والتكامل بين الذكر والانثى اصبح صراع والدين اصبح لا فاعل وكل ذلك ينخر في عظام الغرب العلماني وليس يزيده قوة وان استمر ذلك التبدل للمفاهيم الانسانيه الفطريه فهذا دليل علي تسارع تعافت المنظومة العلمانيه .



٣- ثبات الوجود الالـاهي الذي اقره كثير من علماء القرن الواحد والعشرين :

العلم الحديث لم يعد كسابقه بل اصبح متواليه هندسيه متسارعه تجري وذلك الوقت الذي قُدر فيه ان العالم ليس بحاجه الي الله انتفى واصبح العلم الحديث يقرر لنا بتعقيده وتصميمه الذكي ان الله يتجلى فيه بعظمته والمتأمل في الكون الذي نحن ذرات فيه وكذلك النظريات والعلماء كثير منهم مؤمن صحيح ان الدين لم يدخل في العلم وفي حياة كثير من العلماء المؤمنين الا ان ذلك التجلي الالـاهي في العلم هو وتد عميق لا يمكن للعلمانيه ان تتحقق كامله في وجوده ولا يمكن للابداع البشري ان يتوقف دونه والمطلع علي واقع الغرب العلماني والواقع الديني يجد عودة لتدين بين الاجيال الشابه والكثير من المؤلفات الحديثه الغربيه تخبرنا بتراجع الحداثه وعودة التدين ولنا نحن العرب كتاب قيم اصدر قبل عدة اسابيع بعنوان: قوة القداسه لدكتور عبدالرزاق بلعقروز يتحدث فيه عن اسباب انحسار العلمانيه في العالم وتراجعها لصالح الخطاب الديني !'




٤- فقدان الثقه بالعلمانية الشامله لدى بعض الشعوب وعلى رأسها الشعوب المسلمه :

فقدان الخصوصيه-العقل الاداتي-القدره التدميريه-البرجماتيه- النزاعات الطائفيه ...
نرى كيف ان هذا العصر العلماني بدأ يفقد فيه الانسان خصوصيته واصبحت كل الاشياء قابله للبيع تقريبا ؛ المعلومات الصور والكثير الكثير من الاختراقات التي تقوم بها الدول علي مجتمعاتها وعلي العالم اجمع وفي ذات الطريق نجد كيف ان العقل الاداتي جعل قارات بسكانها موضع وسيلة له وانتج الكثير من الوسائل بدون غايه حقيقيه وعندما نكمل تلك المسيره للعقل الاداتي نصل الى القدرة التدميريه التي انتجها العقل الاداتي وهذه القدره علي مستويات عديده منها تكتلات صاروخيه او معدات حربيه مجزأه ، في القرن العشرين وحده قتل جراء ذلك العقل اكثر من ١٦٠ مليون انسان في الحروب فقط !
وهذا جزاء للقدرة التدميريه النابعه من العقل الاداتي الذي ليس لرحمة موضع فيه وهذا الطريق بوصلته الوحيده هي البرجماتيه ، وهي برجماتيه انانيه او متحيزه في كثير من الاحيان كالاخذ من الرأس مال الطبيعي للأرض لإنتاج صناعات معينه ، وهذا في المحصله مضر للانسان والبيئه ، او في المقابل البرجماتيه هي لصالح فئه دون اخرى واحيانا تجتمع هذه البرجماتيه لتنتج درجة من البرجماتيه كالحه في السواد لا يكمن للبشريه ان تستمر لو اتفقت عليها وفي الداخل الاسلامي نجد ان الانظمة العلمانيه لم تساعد علي التنميه والعيش بسلام فمشكلة الشيعه والسنه والاكراد والحوثيون والموارنه والدروز والاقباط ووو ..كل هذه الفرق تفاقمت المشكلات فيها بعد ان اهتزت النظام العلماني الحاكم وعلي المستوي التنموي والحضاري والفكري الفقر واضح وصريح خصوصا في عالمنا العربي ومن جهه اخرى تركيا العسكريه اصحاب حمى العلمانيه وجدوا ان لا بد من تنازل قبضة العلمانيه لاسباب كثيره ، ورئيس الجيش التركي نجدت اوزل ليس مجرد ركن بل هو قارئ ومثقف وواعي ثقافيا ومعرفيا لمسيرة تركيا لهذا لم يمانع في ظل الأسلمة التي يقوم بها حزب العادله والتنميه ..
ولنا في الطرق الصوفيه التي بدأت تعود مكانها السابق اكبر داعم لأسلمة المجتمع من خلال اجيال قادمه .




٥- عجز الدول العلمانيه عن بعض آفات العلمانيه المهدده لذات العلمانيه ولذات المجتمع المعلمن :

اولا من المعلوم ان اكبر المجتمعات التي يشار اليها بالشيخوخه هي مجتمعات علمانيه ( المانيا - اليابان - بريطانيا - ايطاليا ..) وانا لا ارى اي شعب اوروبي يمكن ان يقيم حضاره خلال ٣٠ سنه بدون عمليه التجنيس المستمره والتي تضخ افراد الى المجتمع فهناك شيخوخه تنخر في عظام المجتمعات العلمانيه وتجعل معدل الانجاب اقل من المعدل المطلوب للمحافظه علي المجتمع فضلا عن نموه وكل الدول العلمانيه تحاول حل تلك المشكلات لكن الشق الفردي المعلمن اكبر من ان يرقع حتى مع التجنيس ، كذلك نتحدث عن المستشفيات النفسيه وحالات الانتحار الكبيره في ظل عيش رغير وسعيد بالمعايير العلمانيه هذا ايضا يجرنا الى القول بنقص ذاتي لنظام العلماني تجاه احتياجات الانسان .




٦- تضخم البرجماتيه وإتباع الاهواء ومركزيه الأنا : أنتجت النظام الاستهلاكي العالمي !


هل من المعقول ان يمتلك الفرد في العالم سيارة لا تتعدى 200 ألف كم ؟ واذا وصلت اليها تكون سياره مهترئه لا اكثر !
لأن عليك حينها ان تشتري ماكينه جديده بينما نرى خلفنا في السبعينات لنجد ان السياره قد تصل لاكثر من 500 كم وهي بحالة جيده !!
وحتى علي مستوى الايطارات والاجهزه الكهربائيه الى ابسط الالعاب والادوات !
السؤال الصارخ كيف ان العلم تقدم وعمر الاجهزه والادوات والصناعه يقل ؟؟

هناك جابات عده اما ان العلم لم يتقدم بل يتأخر في خدمة الانسان او ان العالم قد شرب داء الاستهلاك ، فالشركات والدول تنتج لتصنع وتصنع لتربح !
تصنع لنفسها تصنع لمكانها وزمانها وليس للانسانيه كما هو شعارهم وكذا على مستوى الافراد الاستهلاكيه اصبحت عقيده لدى الكثير اصبحت هويه وهذا هو اكبر هراء وهزل واغبى تسطيح وسخافه قد انتجها الانسان في القرن العشرين كل ذلك بوعي وهنا مأسات كبيره تضرب في اعماق العلمانيه التي انتجتها ومأسات على الطبيعه والفكر والمجتمعات !



٧- عدم قدرة الارض على حمل اعباء العلمانيه :

التلوث البحري- التلوث الجوي - تلوث التربه - والصدمات التي يسببها العلم العلماني للأرض كالاستنساخ والقنابل النوويه ..

كل هذا لا بد ان لا تحتمله الارض لانه ارض واحده والانسانيه اجيال ومستقبل البشريه مفتوح على اتجاهات كثيره ولهذا واجب ان يكون العلم مقرون بالتعبد لله ومعاملة الطبيعه كجزء من خلق الله فواجب معاملته بحكمة ورحمه وليس بذكاء وشهوة سيطره .




٩- انتفاء اللذة :

في الغرب وصل الطعام الى ان يميت !
ووصل الجنس الى الساديه !
والاستهلاك الى الهلاك !
وصار المال الى الربوبيه !

كل هذه الدلائل مؤشرات الى اصتدام اللذه بجدرانها الاخيره وهذه محاولات مستميته لتجاوزه !

فمعدلات اللذه المجتمعيه قد انتهت ان لا لذه لانها انتهت بالموت احيانا او العنف او التعرض للمخاطر في اقل الاحوال ، وانتفاء اللذه دليل واضح على وجوب تجاوزها والنظر الحقيقي للذه على انها ليست السعاده !

وهذا سيحول المجتمع ليبحث عن السعاده الحقيقيه التي هي جزء يمنحه الله لخلقه وهي ينبوع تجده في التعبد لله بقلبك ولسانك وجوارحك .





١٠- خروج جماعات من ذات الغرب ترفض رؤيته للعالم وللحياة :

فمجموعة الهيبي مثلا هي مجموعه افراد الفرد فيها يرفض النجاح الاستهلاكي المكرس من قبل المجتمع ويروفض رؤية المجتمع للحياة وينتقد الاعلام والقواعد الغربيه المتلاعبه ، وايضا الكثير من المفكرين الذين خرجوا لينتقدوا ويحاولوا تصحيح وجهة الغرب بتعديل احدى الانظمة التي انتجتها العلمانيه من أولائك المفكرين  باتريك كونان وهوركايمر وماركوز وهابرماس .

١١- انهيار حقوق الانسان المدعاة لغير الجنس الابيض :

بحث ولم اجد حقوق انسان حقيقه صارمه خارج ايطار الجنس الابيض وهذه ركيزه تطعن ضد الفلسفه الغربيه ستبدي فاعليتها مع الزمن .


١٢- انتشار الجماعات الدينيه في اوربا وازمة الفلسفه :

انه مع تزايد النزوح الديني بشكل عام والاسلامي بشكل اخص في اوربا فإن احتمالية انخفاض حدة العلمانيه وتصاعد التدين سيتدرج مع الوقت وربما خلال جيل او جيلين يكون ذلك وبهذا ندخل في مرحلة عودة التدين الى مناطق قد فقد منها اضف الى ذلك الازمه التي تعاني منها الفلسفه في العالم وهذا لا بد سيجبر مواطن العلمانيه ذات النزوع الفلسفي على ان تستمع لصوت الدين مرة آخرى وبالتأكيد بصوت مختلف وقد لبس التدين سابقا الفلسفه فهل ستلبس الفلسفه الدين ؟

(١) الجدليه في فهمي ليست جدلية هيجل او ماركس الجدليه هي اطراف يؤثر كل منها في الاخر والأخر يرد بتأثير وهكذا يؤثِر ويأثر عليه كل طرف وهكذا يستمر التغيير في كليهما

الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

الصورة التركيبية للحرية والقدر

الصورة التركيبية للحرية والقدر

 

-من ابصر ليس كمن رأى ومن فهم ليس كمن علم ومن قال ان الحرية والقدر متلازمان ,لزم عليه ان يبصرنا بما يقول او يفهمنا ؟

لا إجابة !

 

في العموم جل المسلمين ان لم يكن جميعهم يسمعون ان المسؤولية مناط الحرية ثم يرون اخرى فيظهر لهم عيانا بيانا ان القدر قد كتب فقد جفت الاقلام ورفعت الصحف !

 

وعندما يرى المسلم هذا التضارب الظاهر للوهلة الاولى فإنه يكتفي بحفظ القول ( ان القدر لا يعارض حرية الانسان ويسكت ) ,غير ان عدم وجود تصور ظاهر للحرية والقدر في الفكر الاسلامي قد فرق المسلمين في ثلاث مذاهب هي /

 

الفئة الاولى : تلحد من حيث لا تعلم , حيث تجعل الحرية اصلا وما القدر الا كتابا يسجل ما تفعله الحرية الانسانية ,حيث انني حر والحرية في تصورهم هي انني افعل ما اشاء وهذه الفئة تناست ان افعالها ونواياها محدودة داخل الزمان وان كل ما كتب هو خارجه !

 

غير انهم ما أرادوا الا ان يجعلوا الحرية مشعلا ينهض بالمسلمين حيث وضعوا كل قرارات الانسان بيده , من جهة اخرى هم حاولوا تحرير الانسان المسلم ليثبتوا مسؤولية الانسان وينزهوا الله عن بعض افعال العباد ,,

ومن جهة اخرى هم قد دفعوا بقدرة الله خارج الكون ,ومن جهة ثالثة ارعبوا الانسان حيث كل ما امامه مجهول لا مستقبل لا شي سوى السواد الذي ينبغي السير فيه بمشعل من نور واعلى درجات ذلك التطرف هو انكار المستقبل الاخير وهو يوم القيامة !


وهنا نقف لننتقل الى الفئة المضادة لهذه النظرة وهم الجبرية حيث يرون ان لا حرية للإنسان وان الله يسيره من حيث علم ام لم يعلم وقد عانى المسلمون من هذا الجبر حيث يزني الزاني ثم يقول قدر الله , ويسرق السارق ويقول قدر الله وبعضهم نام في منزله واردف قائلا (لو سعيت سعي الوحوش غير رزقي ما بحوش) ,وهنا نرى تراكما من الجهل المقدس الذي باسم الله يفعل وتنشأ الكوارث وينخر العجز والكساد في جسد الامة لنكوص اهلها على اعقابهم , اما عن الاشعرية فقد قالوا قولا قريبا من الجبر حيث قالوا بالكسب وفسروا الكسب انه اقتران المقدور بالقدرة الحادثة من غير ان يكون له اثر فيها وعليه فما دام العبد ليس بفاعل ولا له القدرة المؤثرة في الفعل فالزعم بالكسب لا حقيقة له !

وقد قال الايجي في ذلك المراد بكسبه اياه مقارنته لقدرته وارادته من غير ان يكون منه تأثير وهذا ظاهر من عدم تصورهم الجمع بين حرية العبد والقدر المكتوب


الفئة الثالثة وهم اهل السنة والجماعة وهم اصحاب النظرة القويمة وهي نظرت المؤمن المعتدل , وهم القائلون ان القدر الإلهي لا يتنافى مع حرية الانسان ,,

حيث ان الانسان المؤمن يؤمن بالقدر ويعلم انه مسؤول , ولكن كيف يؤمن بالقدر المكتوب سلفا وبالحرية الانسانية ؟؟؟


عندما نعود الى الفكر الاسلامي الذي كتب ونمى ونوقش وازدهر كفلسفة وجدل نرى ان الفلسفة الاسلامية وخصوصا الفقهية منها لم تطرح تصورا واضحا لمسألة القدر وحرية الانسان والفكر الاسلامي يهمني وحده من جهة ان الافكار التي تنشط فيه وتفعل يبنى عليها الشارع المسلم حيث ان كل المفاهيم والمقاصد والاحكام تنعكس على المسلمين فيتشربونها ويستبطنونها في حياتهم اليوميه ويعملون بها من حيث ادركوا ام لم يدركوا , نعود الى بعض اعلام اهل السنة لنرى هل فهموا ذلك ام علموه واكتفوا ؟وهل علمهم من دون تصور كان كافي ؟

 

ففي مدارج السالكين اورد ابن القيم رحمه الله فصلا فيه على الجبرية قال فيه :

أحدها : من إثبات عموم حمده سبحانه ، فإنه يقتضي أن لا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه ، ولا هو من فعلهم ، بل هو بمنزلة ألوانهم ، وطولهم وقصرهم ، بل هو يعاقبهم على نفس فعله بهم ، فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة ، وهو المعاقب لهم عليها ، فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء ، وينفيه أعظم النفي ، فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا ، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة ، فهي أفعالهم لا أفعاله ، وإنما أفعاله العدل ، والإحسان والخيرات . 

الوجه الثاني : إثبات رحمته ورحمانيته ينفي ذلك إذ لا يمكن اجتماع هذين [ ص: 88 ] الأمرين قط أن يكون رحمانا رحيما ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه ، ولا هو من فعله ، بل يكلفه ما لا يطيقه ، ولا له عليه قدرة البتة ، ثم يعاقبه عليه ، وهل هذا إلا ضد الرحمة ، ونقض لها وإبطال ؟ وهلي صح في معقول أحد اجتماع ذلك والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة ؟ . 

الوجه الثالث : إثبات العبادة والاستعانة لهم ، ونسبتها إليهم ، بقولهم " نعبد ، ونستعين " وهي نسبة حقيقية لا مجازية ، والله لا يصح وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده ، بل العبد حقيقة هو العابد المستعين ، والله هو المعبود المستعان به.

ويقول في موضع اخر :

الفعل وقع بقدرة الرب خلقا وتكوينا كما وقعت سائر المخلوقات , والله خالق الفعل والعبد فعله وباشره والقدر الحادثة واثرها واقعان بقدرة الرب ..

 

ابن القيم رد على من قال بالجبر لكن بدون خارطة تصور لفهمه لذلك ,لكنه اثبت بالدليل القاطع حيث جعل رحمة الله وحمده وعدله في ذاته صفة تلزم ان لا جبر على المسلم وان الله اثبت افعال العباد الحرة في عدة مواضع في القران , والان لنرى قول اخر لنعرف اين وصل مفهوم القدر لدى المسلمين

 

وفي كتاب المختصر في مسائل القضاء والقدر ل وليد ابو كمال حيث يرد على مسائل الجبر من عدة اوجه واستنادا الى عدة اقوال منها قول ابن حنبل ( انما نقول يضل من يشاء ويهدي من يشاء واسم الله الجبار حيث جعلهم مريدين لما يريدون دون اكراه !)
وقال المؤلف في موضع اخر :ان زعم الجبرية في ترك الاعمال يعارض صريح القران ,وقال ان زعم الجبرية ان كل شئ خلقه الله فقد رضي واحبه باطل ويورد ادلة واحاديث بدون ان يورد تصورا يضع القدر والحرية في تكامل واترابط

وبحثت عن اقوال اهل الكلام ولم اصل الا الى تصورات ملخصها ان الافعال والاعمال كلها مستندة الى الله من جهتين هما :جهة ايجاد العلل ومن جهة اعطاء الوجود والقدرة الى كلشئ ..

 

اختصارا ينزع اهل السنة والجماعة الى ثلاث حقائق في نظرهم للقدر والحرية غير انها غير مسلمة من الجهة الثالثة وهي قولهم /انه يجب الايمان التام بالقدر دون طلب الكيف والسؤال عن الكنه فالتسليم من غير فهم من اعظم اسس الايمان !!!

وهنا مربط الفرس ؛حيث ان عدم وضوح الرؤية القدرية في الفكر الاسلامي جعل الفرد المسلم في شتات بين قدر الله وما شاء فعل والعجز والتهاون والتواكل في انتظار ما يضعه القدر وهذا نراه حتى بين ابناءنا الطلاب ,فحين نقول له لماذا رسبت في المادة ؟

 

يسدد لنا تلك الكلمة القاضية: (قدر الله وما شاء فعل) , ولا نملك في افضل الاحوال الا ان نقول له :صحيح قدر الله وما شاء فعل لكن لو اجتهدت لكانت نتيجتك افضل !

وحتى في حديثنا معه يصيبنا البرود حيث ان ما قاله ابننا هو عين الصواب !

فقدر الله وما شاء فعل , نعود لذكر المسلمة الثانية لدي اهل السنة وهي / الايمان التام بقدرة العبد على الفعل من جهة السبب وهذا صحيح ومن لا يقول به فقد وقع في الجبر الذي هو حيد عن الصراط المستقيم , والمسلمة الاولى /هي ان افعال العباد مخلوقة فكل فعل للعباد هي من خلق الله وهذا ايضا ركن قائم لا مراء فيه ...

 

-نخلص اذن بعد ان لخصنا موقف اهل السنة الى ان مفهوم القدر كثيرا ما يشوش على رؤية الفرد المسلم وهذا يداخل مع همته ومسؤوليته واتخاذه للقرارات ورؤيته للحياة وتعامله معها , وكذلك مؤثر من جهة عدم استيعاب المسلم الصورة التركيبية للمسؤلية والقدر فالكثير من المسلمون يقفون ازاء الاحداث الجارية موقف سلبيا فمنهم من ينتظر المهدي وبعضهم ينتظر انقلابا هنا وهناك فتمسك السلطة المسلمة الحكم ثم يسود العدل والرخاء واخرون يتهاونون في واجباتهم ومسؤولياتهم حتى ان الصبية الصغار قد شربوا ذلك مع حليبهم فعندما يخطئ الطفل يترك فهو طفل وقد قدر الله وما شاء فعل وما اراده الله سيكون فالصالح صالح والطالح طالح , وكذا ايضا على مستوي الامة فحين نرى سوريا تتهاوى فكثير منا ينزع منازع خطيرة حيث يقول البعض نحن مسلمون وسوف ينصرنا الله !!


ويقول قد قال تعالى (ان جندنا لهم المنصورون) ؛ الفأل طيب والوعد حق ؛ لكنك يا مسلم قد اقتطعت هذه الآية بمعنى اخذت جزء من كل , اين ( واتيناه من كل شئ سببا فأتبع سببا ) اين ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ...) اين (قل هل يستوي اللذين يعلمون واللذين لا يعلمون ) اين (وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستحلفنهم في الارض ) اين اين اين .....

 

والسؤال ايضا :كيف ينصرك الله ؟كيف يعي المسلم نصر الله له ؟

كيف وهناك رسل قتلو ؟

أليست الرسل اعظم واجل عند الله من الافراد المسلمين ؟

واخرون ينامون ويتكاسلون في عملهم وفي طلب رزقهم وعندما تسأله لما الكسل ؟

يقول (لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش )!
- وبعد ؟

 

من هذا المنطلق وهو تفعيل المسؤولية في المجتمع المسلم من خلال كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وافعال صحابته فإنني ازعم انني بلورت أي اوضحت وازلت الغموض وجعلت القدر والحرية في تركيهما اكثر وضوحا وهذا ادعى لاستنهاض الامة واعادة تفعيل مفهوميتها الفكرية من خلال التجديد الديني والفكري الذي ينبع من القران الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم  ,والافراد في الامة هم عمادها وقاعدتها التفاعلية الاساسية حيث عليهم ان يغيروا ما بأنفسهم من وهن وسخط ذلك ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ,

وهذه النظرة التي سأتحدث عنها هي نظرت ابن الخطاب من قبلي والتي اعطى فيها قاعدة اساسية لـ-تركيبة الحرية والقدر , وسأحاول جاهدا ان ابسط  هذه النظرة العمريه من دون ان اخل بتصورها اسأل الله التوفيق والسداد .

 

***

-هل قدر الله ان اكتب هذه المقالة ؟

-ام ان حريتي وارادتي التي وهبني الله اياهما هما من يسرا لي كتابة المقال ؟

-ام ان ارادتي وافقت ارادت الله ؟

-ام ان الله قد سيرني في قدره من حيث لا اعلم ؟

-ام ان ارادتي فعلت احدى اقدار الله المتاحة امامي ؟

بمعنى ان لي حرية مطلقه في ان افعل كل ما قد قدر سابقا أي ان القدر الذي وضعه الله هو اقدار وما الانسان إلا حر وهبه الله اختيار طريقه ,فأنا عندما اكون في الظهيرة في المنزل من الصحيح انني حر لكن كل هذه الحرية معدودة من حيث ارادة الفعل ومحدودية الزمان والمكان ,فلا يمكنك ان تكون في الطائرة الذاهبة الى باريس في لحظة بإرادة الذهاب ، ولا يمكنك ان تكون في مكانين في وقت واحد وكذلك الحال مع الزمان , لهذا نستطيع التنبؤ ببعض حالات الانسان المستقبلية اذا اضفنا قدرة الله على معرفة ما بالصدور فهكذا يكون المستقبل قد كشف من حيث الارادة , لكن اذا حملنا الغيب من جهة الله فإن القول الحق هو ان الله خارج الزمان وهذا يقتضي جعل الماضي والمستقبل والحاضر جميعه معلومة كخط على ورقه !

 

-اذا سلمت بأنني حر وان الله قد قدر كل شي وكنت في موقف في شارع عام وكان امامي ثلاثة طرق لا غير تؤدي الى المنزل فإنني أسأل نفسي تساؤلا أي الطرق اختارها لي الله ؟ وهل لإرادتي قدرة على مخالفة او الخروج عن قدر الله ؟

انا بهذه التساؤلات قابع في العقلية التقليدية التي تعاني من التشويش حيث ارهق نفسي من دون ان اصل الى جواب ...

لكن الجواب في رأيي هو "ان كل الطرق الثلاثة التي امامك هي كلها من اقدار الله ", وانا سواء اخترت السير في الطرق الاول او الثاني او الثالث فكلها اقدار قد كتبها الله !
فأنا صاحب الفعل وكل نتيجة تراها سواء اصطدمت سيارتك في الطرق الاول او وصلت متأخر عن طريق الطريق الثاني او قابلت صديق قديم في الطريق الثالث كلها اقدار الله وجميعها قد وضعها الله في كتابه, وكتابة الله للاقدار لا تنافي ارادتك , 
وهذه النظرة تدخل في واقعنا المعاصر فبؤس المسلمين وضعفهم واستيلاء السلاطين على الحكم منذ بداية الاسلام كل هذا اتى بقول هذه ارادة الله !

وغير انه لو خرج احدهم على السفاح العباسي او عبيد الله المهدي الفاطمي ثم قتلهم واستولى على الحكم ان ذاك لكان ذلك ايضا من قدر الله وارادته ،ولا ننسى تكريس معاوية بن ابي سفيان للجبر السياسي الذي تحول الى جبر اجتماعي على جميع الاصعدة وقد استخدم ايات واحاديث كثيره منها حديث رسول الله الذي نقله عن المغيرة وهو الذكر اللذي يقال بعد كُل صلاة وهو( لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شئ قدير اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ....) وهنا كرس معاوية في عقلية الافراد المسلمين الجبر من حيث لا يشعرون في خطبة وكل منبر فقد اعطاه الله ولن تمنعوه وقد اخذ الله من الفئة الاخرى الحكم ولا معطي لهم !



لهذا علينا ان نعي ان تحركنا ونشاط شباب الامة سينطلق بنا من الذل والتشرذم الى قدر الله من العز والتمكن الذي هو ايضا من قدر الله .. 

لهذا يمكن ان نعرف القدر بأنه ( كل ما فتح للعبد من اقدار معلومة من جهة العالم سبحانه ومفعولة من جهت العبد )

فحيث ما نولي وجهتنا فإن الله يعلم وجهتنا ويعلم ماتحدثنا به انفسنا ويعلم نهاية طريقنا الذي اخترناه ,وهذه النظرة نجدها مستوعبة لدى بعض صفوة صحابة رسول الله حيث ادرك اولئك المعنى بدقة متناهيه وهو كما اوردناه ولم يفهمه اخرون مع انهم علموه , فحديث عمر بن الخطاب لأمين هذه الامة ابو عبيده وجداله مع المهاجرين والانصار في دخول الشام حين حل بها الطاعون يدل على عدم وضوح الرؤية لدى بعض منهم الا ان عمر صاح لأبو عبيده قائلا/ نهرب من قدر الله الى قدر الله - ثم اردف لو ان غيرك قالها يا ابو عبيده !

وهذه الكلمة الاخيرة فيها محبة لأبو عبيده نور الله قبره ورزقنا صحبته وفيها تأنيب حيث على من هم بمثل قامة ابو عبيدة ان يدرك هذه المسألة وهي ان كل ما امامنا من طرق هي من اقدار الله .

 

-ولأننا نحن المسلمين متخلفين لم نعد في طليعة الامم المتقدمة وذلك عائد علينا حيث اننا لم نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله قدره الذي هو نتيجة لتخلفنا وسنظل متخلفين وفي قدر الله مالم نغير ما بأنفسنا ولإن قمنا ونفضنا عنا غبار الذل لنصعد في الارض ونكون في اسمى مراتب العبودية فسنكون ايضا في قدر قد كتبه الله .

 

-التوفيق والاستخارة /

وما الدعاء بالتوفيق والاستخارة الا تجلي لهذا المفهوم حيث عشر اوعشرون طريقا قد قدر امام العبد ان يسلك احداها وما سؤال التوفيق من الله الا معونة وهداية يرشدنا بها الله لأفضل اقداره .

 

-الملكين الذين يسجلان اعمال الانسان /

وما الملكان اللذين اوكلهما الله لتحصيل ذنوب عباده وطاعاتهم الا ملكين يسجلان اختيار العبد لأحد اقدار الله التي فتحها على العبد

 

-التدخل الالاهي /

هل معنى ذلك انه لا تدخل إلاهي ؟

كيف يمكن القول بذلك وجميع الطرق المتاحة امامك كلها من صنع الله ؟؟

 

لهذا فأن تدخل الله وتسييره لعبده مؤكد كأن يرد عنه حادث او مرضا مميتا او يصيبه ببلاء ليختبره حيث التدخل الالاهي حاصل بمقتضى القدرة والحكمة , وكأن يوسع له في رزقه وان يطيل في عمره بسبب انه وصل رحمه كما في الحديث , وكل ذلك من التدخل الالاهي سواء علم العبد بذلك ام لم يعلم وايضا من الفروض الالهية التي ليس للعبد دخل فيها كأن يختار والديه والعصر الذي ولد فيه ويوم مماته وكل ذلك هي من التدخلات الالهية الملزمة والثابتة للإنسان وهي في ذات الوقت لا تنقض حرية العبد على العمل وطلب النصر والخطأ والهزيمه .. وما ذكر الله ان الكافر يكله الى نفسه الا قصد منه ان الله قد جعل امامه اقداره المقدرة وتركه يهيم فيها لاعون منه يهديه ويوفقه ولا مدد وهداية يرسلها اليه لانه اختار الكفر علي الايمان وكذا كان رسول الله حيث كثيرا ما تعوذ من ان يوكل الى نفسه .

 

-في نهاية المقال ادعو جميع المؤمنين ان يجاهدوا انفسهم ليتحصلوا على الحرية الحقه التي هي جزء من القدر الالاهي حيث جميع الاعمال والافعال والنوايا هي من اقدار الله وما العبد الا مخير داخل هذه الاقدار المتاحة امامه , وانني ما اردت بهذا الايضاح الا تحرير عقلية المسلم وتبيان ما رأيته مشكلا عليه ومشوشا في ذهنه  وذلك ادعى الى ان يتحرر من اوهامه وتهاونه وان يمسك بزمام حريته وان يستشعر عظم مسؤوليته , وانني شخصيا بعد تأملي في هذا الايضاح للقدر ورؤيتي له تبدلت نظرتي لكثير من الاحداث اليومية في حياتي واحسست بحمل اشد احكاما علي من حيث شعوري بمسؤوليتي ولا اظن شخصا سيقرأ هذه المقالة ويعيها ثم لا يتبدل من نظرته  شيء تجاه حياته التي بين يديه اسأل الله لي ولكل مؤمن النصر والفلاح .

تويتر:e_3badi@

 


الجمعة، 5 سبتمبر 2014

العقل العملي والنظري لدى طه عبدالرحمن

يؤلب البعض على مولانا طه عبدالرحمن لجعله العقل النظري معتمداً العقل العملي وليس العكس ،لأنه يفهم العقل بشقيه المصطنعه على الطريقة الغربية غير ان تركيبة أفكار طه ومفاهيمه متباينه عن نظيرتها الغربيه

ففي كتابه (سؤال العمل)
يبدأ طه بالسؤال /كيف هو العمل ؟
ويجيب بأن العمل في تحديد حقيقته النظريه لاتكفي الاحاطة بغرضه لأن العلم بهذا الحقيقه لا يراد لذاته وانما يراد لغاية اهم وهي بالذات ممارست هذه الحقيقة عينها ،،
 
ويُردف طه بأن العقل النظري الغربي له حالتان:
الاولى: حاله/ النظر المجرد >> الغاية/المعنى لذاته
يقابله
حاله/الشغل >> الغاية/المنفعه

اما لدى مولانا طه
فالحالة واحده وهي/عمل بسلامة المعنى >> الغاية/التقرب الى الله ..

ولاحظوا ان "السلامة هي الشق العملي من الصدق" ،لهذا يستبطن طه النظر في داخل العمل او لنقل يجعلها مرادفة له لأن الأصل
ان العقل هو عبارة عن إدراك القلب للعلاقة القائمة بين الأشياء - بمعنى ان العقل احدى ادوات القلب وليست كلها - وان القلب يدرك الاشياء ليس بالنظر فقط بل بجميع قوى الادراك مرة واحده كالعين والاذن والشعور والذاكرة والطموح والمشاعر وايضا يجعل طه عبدالرحمن في مقابل الجوارح الخارجية الجوانح الداخلية التي يجمعها القلب وهي تقوم بنظير ما تقوم به الجوارح، ويستند مولانا طه على القرآن حيث لم يأتي قول العقل مجرداً بل جاء كفعل ،وان غاية الدين الاسلامي ليس معرفة الكون لذاته بل معرفة المكون الاعلى سبحانه ومعرفة المكون الاعلى هي عبادة والعبادة لا تكون الا عملية !

ولهذا فإن :
العمل يقف على النظر في (الفلسفة الغربية) ،وقد يوقف العمل متى ارتفع مقتضى النظر فيه
بينما النظر واقف علي العمل في (الفلسفة الاسلامية) ،وقد يوقف النظر متى ارتفع مقتضى العمل به ،،

ويضرب مثال علي ذلك في مشروعة الفلسفي الإبداعي فقه الفلسفة بـ التعبد ليقول :

فأصحاب النظر على مقتضى الفلسفة الغربية يجعلون العبادة تدور علي معنى التقوى والتقوى ترد الى معنى العدل -وبذلك ينقل طريق التعبد(العملي) الى طريق التخلق(النظري)- ثم يرد معني العدل الى العدالة الاجتماعية -وبذلك ينقل طريق التخلق الى طريق السياسة وهما متباينان- فهو بذلك في دوامة من نظر الى نظر ، فليس الدخول في العبادة هو الذي جعله يأتي فعل التقوى ولا فعل التقوى هو الذي حمله على إقامة العدل ، وانما النظر في العبادة هو الذي افضى به الي النظر في التقوى وهذا بذلك ادى الى النظر في التقوى ،

واما في المجال الفلسفي الاسلامي فالتعبد يؤخذ بحسب مقتضاه العملي فتقدم إقامة العبادة على التفكر فيها والتفكر في العبادة مشروط بإدائها ، بحيث لا فكر الا مع العبادة فهنا تنقل المعاني الدينيه من مستوى النظر العقلي الى مستوى العمل المعاشي ومن مستوى العمل المعاشي الى مستوى العمل المعادي ،

وهنا الفلسفة الاسلامية أفضل من جهة أن حسه العامل بها الواقعي أشدُّ اذا لا حكم عنده بغير شاهد حي ولا عمل بغير تغتغل فيه ، وهنا الادراك أوسع اذ العمل الذي ينزل هذا المتعبد مراتبه يفتح له أبواب في المعرفة تظل موصدة على الواقف عند الفكر النظري وحده ونظره العقلي يكون أسلم ، اذ الفكر الذي لا يقيده الصلة بالواقع والعمل يجوز ان ينفلت منه الزمام في عالم من الاوهام




اما عن الدين فقد عرفهُ طه/ بأنه عبارة عن طريق في العمل يصل المرئي بالغيبي وصلا يمكن الانسان من اقتحام عقبات الحياة علي الوجه الافضل ..
ولهذا جعل طه عبدالرحمن العالم المسلم لا ينظر الي العلم علي انه مجرد بناء نظري فقط وإنما ينزله منزلة العمل وذلك لسببين :

احدهما/ ان التفكير في العلم هو من اعمال القلوب ، ولا يتوسل فيه بحركة خارجيه ملحوظة ، ولما كان التفكير قلبيا صريحا وجب ان يلتزم بالقواعد الاخلاقيه التي تضبط السلوك الباطن كتلك التي تضبط #أعمال القصد والصدق والاخلاص والخشية والخشوع

والسبب الثاني/ ان العلم عمل انساني يهدف الي انتاج المعرفة والوصول الي حقائق ، ولما كان العلم عملاً انتاجيا يتوسل بإجراءات معلومة ويتخذ اهداف مخصوصه وجب ان يلتزم بالقواعد الاخلاقية التي ترسم حدود السلوك الظاهر ؛ وشاهد ذلك ان العلم في الممارسة الاسلامية نوعين : الاول العلم النافع في مقابل العلم الضار
والثاني العلم المستعمل ؛والمراد به العلم الذي ثبت استعماله علي مقتضى هذه القواعد واما مقابله وهو العلم الذي لا يعمل به فهو منهي عنه ليس يطلب لذاته 

اخيرا نتبين أن طه عبدالرحمن يجعل العمل هو الأصل وذلك في المعاني الروحية والدينية والإنسانيه ،بينما يرى ان المعرفة العلمية المجردة والمحايده تدعو الى الوقوف علي الاسباب التي النظر فيها مقدم على العمل لأنها تخضع للظواهر الطبيعيه ولكن نظر ليس وراءه عمل ينكر العمل به .