بسم الله الرحمن الرحيم
ما بين شاهد ومشهود* اكتب هذه المتسلسلة من الخواطر لطلب عزيز على قلبي , له اشواق تعشق كل معرفة ثقافية بالخصوص , ها انا ذا انقر على الالة الكاتبة لأخط مقال قد اختمرت افكاره في وجداني لرحلة كان لها مذاق خاص في قلبي , تركيا امبراطورية ال عثمان القديمة ودولة أتاتورك الجديدة قد عزمت الذهاب لها في نهاية يوليو لحضور ندوة ثقافية بعنوان تكوين المثقف المعاصر , رغم ان جميع الاصدقاء انسحبوا من هذه الندوة والأجواء كانت في أسوأ تقلباتها السنوية الا ان العنوان كان اثقل من ان اتخلى عنه , كان العنوان يمثل سؤال ملحا بالنسبة لي , فإختصار الطرق شيء جدّ ممتاز لمن رأى الثقافة سلاحاً تحتاجه هذه الامة الجاثية على ركام من التخلف الحضاري والتبعية الفلسفية والسبات الثقافي وذلك مقارنة بأمم اخرى حول العالم , ورغم اختلافي مع نهضات عديد من حيث تقبلها التام لأركان مؤسسة للثقافة الغربية والتي كان يمكن على الاقل تحسينها او اعادة تركيبها لتصبح بشكل افضل وتتطور البشرية بها للأفضل , المهم انني عزمت بحمد الله على الذهاب الى اسطنبول عاصمة تركيا الفتاة وذات الارث التاريخي العظيم , طِرت بادئ ذي بدئ لأحط في رحاب القاهرة تلك الدولة التي اخذها سليم الاول من ايدي الشركس الذين نزلوا بمصر الى القاع , تجولت في مصر وقابلت بعض الاصحاب ورأيت مسجد الامام الحسين وقصر محمد علي باشا الذي تخلص فيه من اخر القوى الشركسية في مصر وكانت رحلة جميلة في ربو مصر الحبيبة رغم بعض ملاحظاتي التي ليس هنا مجال ذكرها , انتقلت بعد ذلك الى مطار اتاتورك في اسطنبول ليكون في استقبالي ممثل منظمة فور شباب الاخ مؤيد وهو من السوريين الفارين من براثن الاسد , مؤيد هو شاب سوري كأي شاب كنت اول من يلتقي به ويا للمصادفة كنت اخر من يحجز المقاعد واول من يصل الى المؤتمر , تحدثت معه حول تركيا وارشدني الى بعض النصائح والتوجيهات واقلني سيارة خاصة بعث بها فندق ويندهام الذي كان من اجمل ما رأيت من الفنادق , ليس يعيب ذلك المكان سوى بعده من مركز المدينة , في ذلك اليوم تعرفت على اصحابي داخل غرفتي والتي تتكون من ثلاثة اسرة وهما فارس وياسر وكانا ولله الحمد من خيرت الشباب فالاول من حفظت كتاب الله والاخر مترجم نشط للكتب الانجليزية الى اللغة العربية , بمبادرة مني اخذت الاصحاب في جولة على اسطنبول كان ذلك الساعة الرابعة مساء , الجميل هناك ان الليل لا ينكمش على المدينة الى في الساعة الثامنة ليلا !
لم يدركنا التعب فقد كانت اسطنبول اجمل من تدرك تعبك فيها , الجميل ايضا في تلك الرحلة انك تخرج متجولا بكل اريحيه فليس لديك أي مسؤولية تخاف عليها من اطفال او اسرة , في اليوم التالي وهو اليوم الاول للمؤتمر بدأ المؤتمر بكلمة للدكتور علي العمري وبدأنا التعرف على الشباب رويدا رويدا , تعرفت على بعض الاصحاب الافذاذ الذين ألهبوا فيَ جذوة امل وحماس هم قلة لكن متأكد انهم افراد نوعيون هم من اؤلائك الذين قد يوقظوا امة من سبات او يُداوو جراحها واقولها بكل تأكيد كانوا هم اكثر شيء استفدته من المؤتمر حيث شباب طموح وطاقات عظيمه تراها تفور امامك بكل عزة , ورغم ان احدهم هو من طلاب الفلسفة في واحد من اعرق جامعات العالم وهي جامعة لندن , لكني رأيت في عينيه اعتزاز بهويته واقراره بكل تعقل واقدام ان الاسلام شريعة الهيه , من هنا حيث تلتقي العزة بالعمل تمكن النهضة فلا اسلم ان النهضة طريق واحد ليس هناك سواه وهو طريق الحداثة الغربي , ولا اسلم بالقول ان لم يبقيِ الاولونَ للمتأخرين شيئا فالانسان لدينا في ثقافتنا على الاقل لم يمت والابداع لم ينقطع , وتعرفت على اخرين ايضا تخرجوا من تخصصات لا انسانية كالطب والهندسة لأراهم مهتمين بل مولعين بالفلسفة والدين !
وفي خضم اللقاءات اطربنا منشد النهضة الدكتور محمد ابو راتب بالأناشيد العذبة والكلمات المحفزة , المؤتمر كان جيد خصوصا مع حضور بعض الرموز الثقافية كالأحمري و معتز الخطيب والنابلسي , الا اني اعيب على المؤتمر في كون العنوان اكبر من المحتوى حيث غلبت المعلومة الثقافية المجردة على الرسم التأصيلي الموجه للشباب الراغب في الانطلاق نحو الثقافة ( يوجد مرفق فيه ملخص لجميع محاضرات المؤتمر ) , الجيد في المؤتمر انني قابلت شباب عراقي وسوري عازم على العودة الى بلادهم واعادة اعمارها رغم انها بحكومتها التي عاشوا في اكنافها طيلة عمرهم قد تنكرت لهم واذلتم وحرمتهم ورغم كون كلماتهم تحمل مرارة ورغم كرههم لجواز دولتهم الا انهم يحبون ارضهم فلا ارى خلاف في كونهم يكرهون الجواز الذي يمثل الحكومة ويحبون ارضهم , تجولت بعد ذلك في اسطنبول واكتشفت كمطلع على علم الاجتماع ان الدين قد ابتلعته الفنون والفنون بدورها قد تحولت لنظام رأس مالي نشط تحاول قدر الامكان استنزاف الزوار بمعنى اخر الحداثة قد تجذرت هناك فمثلاً كما تتعامل الحداثة مع النص المقدس كنص أدبي تعامل كثير من الأتراك هناك مع الدين كفن من الفنون الجميله !
كان كل شيء جميلا الرحلات التي قضيتها وحدي والتي صاحبني فيها صديق لي من العراق وهو الاخ العزيز عبدالسلام , وتراءى لي ايضا هناك ان درجة التدين تتناسب طرديا مع حب العرب !
فكلما كان الرجل يحمل أي سمة من سمات التدين كان قربه للعربي اكثر , الشعب التركي معتز بنفسه صحيح لكن لم يكن بذلك السوء الذي حدثني به بعض الاصحاب كان في بعضهم بعض الكبر الا انه من السهل الاستعانة بتركي على تركي اخر لتسريع اوراق او تسيير خدمات شتى , فقد كانت هذه وسيلة ناجحة ,رأيت الكثير منهم تعاون معي بعضهم بعيني مسلم يساعد اخاه وبعضهم بعيني رجل مخلص يحاول ان يحبب السياح في بلاده لكي لا ينقطعوا عنهم , حصلت لي بعض المواقف الطريفة هناك كان من اعظمها هو دخولي متحف ياني كابي الذي رأيت فيه مدى ترف السلطة وقوتها حيث الشارات والأوسمة الملكية من كل انحاء اوروبا وعند خروجي رأيت منظرا مهيبا , لقد كانت طبول ضخمه تهتف الله اكبر وموكبا عظيما التف حوله الناس وتحت سماء حارقة دخلت من بين الصفوف لأستمع لأعذب موسيقى سمعتها في حياتي واجمل نسيم يهب علي , لقد كان المنظر مهيبا حيث يصف قائد الفرقة الموسيقية الحربية وينشد بأعلى صوته الجهوري الضخم المتأجج قوة وخلفه نخبة من القوات الانكشارية , لقد كان المنظر ساحرا بحق وهو ان تتخيل انتماءك الى دولة تطبق الاسلام ليس لها الشرعية بدون فقيه , في الحقيقة لقد دمعت عيني مع اني رجل اعرف كيف اتحكم بنفسي لكن كانت الدموع احر من ان احبسها , لست من اؤلائك الذين يمجدون ال عثمان لكن لنواجه الحقيقة لقد كنا متخلفين نحن العرب ولم يمثل ال عثمان سوى غطاء عسكري لا يريد سوى حفنة من المال يقيم بها عوده , لهذا اعتقد اننا متخلفون ولم يكن ال عثمان سببا في تخلفنا فالانكسار التاريخي لنا كان قبلهم بمئات السنين , الشاهد الجليل من تلك الحادثة لوهله صدقت نفسي مسلما عثمانيا في زمن سليمان القانوني , كم هي عظيمة تلك الغطرسة التي ترى فيها نفسك عزيزا لا يجرئ احد في هذا العالم ان يطأ على طرف ثوبك !
الخلاصة كانت تلك الرحلة جميلة لن انسى كثير من مواقفها , واتمنى لو يقام مؤتمر اخر ولكن بقوة اكبر وعنوان معرفي الذ بالنسبة لي كتكوين الفيلسوف المعاصر !
ختما اعتذر عن هذا السرد العفوي الذي قدمته من وجدان محب الى احبته , واترككم الان مع ملخص للمؤتمر :
🔆 ملخّص محاضرات مؤتمر فور شباب السادس #تكوين_المثقف_المعاصر 🔆 💡 ملخّص دورة " كيف تبني ثقافتك ؟ " لـ د.علي (cont) http://t.co/r8dwHBV2Jp
*كتبت هذه المقالة يوم الأحد مابين يوم الجمعة ويوم عرفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق